حوار مع المترجم المصری عبد المقصود عبد الکریم

اللغة العربیة تتطور أبطأ مما ینبغی

اللغة العربیة تتطور أبطأ مما ینبغی
أثرى الشاعر والمترجم المصری عبد المقصود عبد الکریم ــ موالید عام 1956 ــ المکتبة العربیة بالعدید من الترجمات الهامة والمتنوعة، خاصة فی الروایة والشعر والتحلیل النفسی، محاولاً فتح آفاقاً ثقافیة ومعرفیة جدیدة من خلال لغة الضاد.
سه‌شنبه ۱۶ شهريور ۱۴۰۰ - ۱۰:۳۴
کد خبر :  ۱۵۲۳۱۴

 

 

 

 

 

وفی هذا الحوار یوضح عبد الکریم رؤیته واختیاراته للترجمة وعالمها ..

□ کیف کانت بدایة علاقتک مع الترجمة، وما هی أهم الکتب التی ترجمتها ولماذا؟ وکیف تتم المفاضلة بین مؤلف أو عمل وآخر؟
■ کانت البدایات حرة تماما، لم تکن وراءها مؤسسة من أی نوع. کانت بدایات حرة فی کل شیء. کان أول کتاب أکمل ترجمته کتاب د. هـ. لورانس «فانتازیا الغریزة» وکنت أترجمه بإحساس غریب، بأن لورانس ألفه لأترجمه؛ کتاب یجمع مجالی اهتمامی، الأدب وعلم النفس، أو التحلیل النفسی تحدیداً، ترجمته مع نفسی ولنفسی فی 1989، ونشرته دار الهلال فی 1992 ثم صدرت منه طبعة ثانیة فی 2019 عن دار آفاق.
أهم الکتب التی ترجمتها، سؤال من الأفضل توجیهه إلى شخص آخر؛ لکن عموما أعتز بکتابی عن لاکان، ورسائل همنغوای، وعشیق اللیدی تشاترلی، وأعمال الجنوب افریقی کوتسی، وقد ترجمت له أربع روایات، القائمة طویلة؛ ویبدو أن الکتب الأخیرة التی ترجمتها، ومنها، مثلا، حکمة السیکوباثیین، تحقق رواجا من نوع ما. یبدو أننی تورطت فی إجابة سؤال ما کان ینبغی أن أتورط فی إجابته؛ ویبدو أننی على وشک ذکر قائمة طویلة، لکننی أتوقف فورا! للمفاضلة ظروف کثیرة؛ إنها غالبا فی الوقت الحالی تتم باتفاق بینی وبین الناشر.

□ ما بین الترجمة کصنعة وحرفة ومعرفة عمیقة باللغة، والترجمة کإبداع. کیف یمکننا التفریق بین مترجم وآخر، وهل خیانة الأمانة تحدث فی الشعر أکثر من باقی الأجناس؟
الترجمة موهبة، دون موهبة فی التعامل مع اللغة، لا یمکن لأحد أن یکون مترجما جیدا مهما أتقن من لغات. الترجمة إذن موهبة، أی إبداع، وصنعة وخبرة. والترجمة تختلف من مؤلف إلى آخر، بل ومن کتاب إلى آخر؛ وبالطبع من نوع معرفی إلى آخر، والمترجم بصدد البدء فی ترجمة روایة، مثلًا، یتسلح بأدوات ربما تختلف تماماً عن الأدوات التی یتسلح بها وهو بصدد البدء فی ترجمة کتاب علمی، أو ذی طبیعة علمیة. لاحظت، بالنسبة لی، حتى بناء الجملة یختلف؛ قد أقبل أن تطول منی لتکون أوضح ما تکون فی کتاب علمی، ولا أقبل أن تزید کلمة واحدة فی عمل أدبی. وبالنسبة للخیانة، یمکن القول إنها خیانة، لکنها خیانة من نوع فرید، ولیست خیانة أمانة بحال من الأحوال؛ فی الدراسات والکتب ذات الطبیعة العلمیة تتضاءل هذه الخیانة إلى أقصى درجة، ویبقى الإنجاز إنجازاً للمؤلف، إنجازاً ساهم شخص ما فی نقله إلى لغة أخرى. مع الأدب یختلف الوضع کثیراً، المنتج الأدبی المترجم عمل مشترک بین شخصین: مؤلف ومترجم. وأشعر مع العمل الأدبی المترجم بأنه عملی بقدر ما هو عمل المترجم. فالمت
رجم مبدع یمثل جسر التواصل بین الثقافات؛ حجر ضخم فی أساس أی حضارة وأی ثقافة تسعى للتطور والانفتاح على مختلف الثقافات؛ الترجمة اعتراف بوجود ثقافات أخرى إلى جانب ثقافة أمتی! أمتی لیست وحدها فی الکون.
أما فی الشعر فنصل إلى ذروة الخیانة، إلى خیانتین إذا جاز التعبیر. أفترض دائما أن مترجم الشعر ینبغی أن یکون شاعراً، أو على الأقل یتمتع بحس شعری، وهنا یکون النص الشعری المترجم نص المترجم أکثر مما یکون نص المؤلف. حین یترجم الشاعرُ شعراً ینحاز بالضرورة إلى لغته الخاصة، وتکون الترجمة من إبداعه، وبالتالی یمکن أن یترجم نصا شعریا عشر مرات، وفی کل مرة یکون له مذاق مختلف.

□ ثمة من یرى أن هدف الترجمة هو التعبیر بالضبط عن دلالات ومعنى کل کلمة وعبارة فی النص الأصلی. ومن یرى إن الهدف هو إنتاج نص لا یُقرأ کترجمة، وإنما کنص جدید بروح إصداره الأصلی نفسها .. ما رأیک؟ وما الصعوبات التی قد تلاقیها أثناء الترجمة؟ وماذا عن العربیة من بین اللغات؟
■ لا أظن أن هناک تعارضا بین الرأیین، لا تعارض بین التعبیر بدقة عن دلالات النص الأصلی، ولنقل کل عبارة، ونتجاهل کل کلمة، على أن یکون النص مشبعاً بروح اللغة التی نقل إلیها، وإلا تحول إلى مسخ؛ لکل لغة خصائصها، وإذا احتفظ النص المترجم بخصائص اللغة الأصلیة تکون الترجمة مشوشة فی أفضل الأحوال، إذا اعتبرت ترجمة. الصعوبات جمة، کل عمل یحمل صعوباته الخاصة، وبعضها صعوبات ربما لم یواجهها المترجم من قبل، وربما لم تخطر على باله. والعربیة لغة بین اللغات، لیست کائنا مجرداً، ولا تحمل قیمة مجردة؛ إنها مثل کل اللغات تکتسب قیمتها من أهلها؛ المشکلة الکبرى مع العربیة أنها لا تزال لغة شبه مقدسة، إن لم أقل مقدسة؛ إنها تبدو أحیاناً لغة أعتق مما ینبغی؛ إنها تتطور بالطبع، لکن بأبطأ مما ینبغی.

□ هل قمت بترجمة إلى العربیة من خلال لغة وسیطة، وهل ثمة صعوبات واختلافات؟
■ نعم، ترجمت عدة کتب عن لغة وسیطة، منها مجموعة شعریة لشاعر بولندی، ومجموعة شعریة لشاعر ترکی، وکتاب بعنوان «التفرد والنرجسیة» وکتاب «إسطنبول» لأورهان باموق. هناک رؤیة مختلفة فقط، خاصة فی الأعمال الأدبیة، ببساطة یمکن للمترجم أن ینظر إلى الأمر على أنه یترجم الترجمة لا الأصل، خاصة إذا کانت الترجمة إلى اللغة الوسیطة محل ثقة؛ فی الدراسات والأعمال العلمیة وشبه العلمیة، لا أرى أی مشکلة فی الترجمة عن لغة وسیطة!

□ تلعب المعرفة والثقافة والدراسات الأکادیمیة دوراً مهماً فی تطویر الترجمة وآلیاتها ومرجعیاتها، لکن هناک من یرى أن المعایشة الیومیة للناطقین بلغة ما یقربک من روح اللغة وعامیتها ومعاجمها المحکیة. ما رأیک فی ذلک؟
■ نعم، تلعب المعرفة والثقافة دورا مهمّاً؛ والمعایشة أمر بالغ الأهمیة، لکن تحقیقه لیس میسورا فی الغالب؛ ولا ننسى أن التقریب من روح اللغة وعامیتها أمر نسبی دائما؛ تخیل أن المرء نفسه لا یلم باللهجات العامیة لبقاع وطنه الأم؛ العامیة تختلف من بقعة لأخرى؛ ولو افترضنا أن المترجم سیطارد العامیة فی وطن المؤلف، فی کل بقاع ذلک الوطن، أو بعض البقاع، فإنه قد یقضی حیاته دون أن یترجم عدة صفحات. الوضع المثالی رائع نظریّا لکن تحقیقه مستحیل غالباً.

□ ماذا عن حرکة الترجمة وتطوراتها فی الوطن العربی بشکل عام، وماذا عن الترجمة من العربیة إلى لغات أخرى؟ وهل ثمة انتقائیة تشوب هذه الاختیارات؟
■ إجمالاً یمکن الحدیث عن حرکة نشاط ملحوظة فی الترجمة إلى العربیة عبر عدد من المؤسسات المتخصصة فی الترجمة، المرکز القومی للترجمة فی القاهرة، على سبیل المثال، والسلاسل الخاصة بالترجمة، سلسلة الجوائز عن الهیئة المصریة العامة للکتاب على سبیل المثال، وعدد من المشاریع الخاصة بالترجمة فی عدد من الدول العربیة، مشروع کلمة على سبیل المثال، بالإضافة إلى وجود ازدهار حقیقی فی نشاط دور النشر الخاصة فی الترجمة، ولیس من قبیل المصادفة أن تکون معظم الأعمال التی ترجمتها مؤخرا لدور نشر خاصة، وهو دور یحسب لها على کل المستویات، ومنها على سبیل المثال دار آفاق فی القاهرة، ودار العین، ومؤسسة صفحة سبعة للنشر والتوزیع فی السعودیة، والدار الأهلیة فی الأردن. أظن أن الترجمة من العربیة إلى اللغات الأخرى أمر یهم أصحاب تلک اللغات بالدرجة الأولى؛ وعادة یتم اختیار الأعمال طبقًا لحسابات خاصة بهم.

□ تبرز إمکانات الترجمة کأداة لتحریک الراکد على مستوى النماذج المهیمنة فی الدین والثقافة والسیاسة. کیف یمکن لذلک أن یتحقق فی حالة عدم التکافؤ بین اللغة العربیة واللغات المترجم منها؟
■ لا یمکن أن یحدث أی شیء قبل تغییر عقول الناطقین بالعربیة، ولا یمکن لذلک أن یحدث إلا بثورة شاملة فی التعلیم وثورة مقابلة فی الثقافة! الترجمة تساعد لکن لا ننتظر الکثیر فی ظل غیاب ثقافة القراءة؛ وفی ظل طباعة 1000 نسخة فی معظم الأحیان، وأحیانا أقل! إنها مأساة حقیقیة، أن تترجم کتابا یطبع منه عدد محدود، لا یباع کله غالبا!

 

 

 

نقلا عن القدس العربی

ارسال نظر