ذلک کان عنوان المحاضرة التی ألقــاها الأدیب المترجم ( موسى بیدج ) فـــی المرکز الثقافی العربی السوری فی طهران یوم الأربعاء المصادف 24/1/2007 ، وکانت المحاضرة بمثابة تتویــج للمســاعی التــی بذلت فــی إقامــة عدد من الدورات التعلیمیة فی المرکز لاکتشاف وتطویر المواهب الایرانیة فی مجــال الترجمـة مـــــن العربیة الى الفارسیة .
فی البدء تطرق المحاضر الى نبذة تاریخیة عن مسار الترجمـــة ومحطاتهــــا الأساسیة والتی تعود الى عصور سـحیقة منذ أن وجـد الانســان واللغــة واللهجــــات والرموز والإشارات وصولا ً الى تشـکل الدول والامبراطوریات،وسلط الضوء على المراحل الناصعة من تلک المسیرة والتی جاءت فی عهد حکم العباسیین وخاصة فترة حکم المأمون وتأسیس دار الحکمة حیث دشـن عهد جدید من الترجمة الواسعة ، نشط المسلمون خلاله فی عملیة النقل الشاملة والمتنوعـة لمختلف العلـوم والمعارف ومـن مختلف بقاع الأرض وحضاراتهـا المختلفــة والمتناغمة والذی أثار صراعــا ً شدیدا ً سینعکس لاحقا ً علـى مختلف المجالات العلمیة والفکریة والمعرفیة وقد عبّرت أغلب تلک الأعمال المترجمة من خلال اللغات الستة الشهیرة آنذاک وهی :
( الفارسیة ، العربیة ، السریانیة ، الهندیة ، واللاتینیة ) والأهــم الیونانیة ذات الرصید الأبرز علمیا ً وفلسفیا ً حیث کان المندوبون عن ( دار الحکمة ) یقصـــــدون ایـران والهنــد والقســطنطینیة للبحث عـن عیــون الکتــب والآثــار القیمّـة للشــعوب والحضارات السابقة .
وتذکــر کتب السـیرة بأن الخلفاء العباسیین وخاصة المنصور والمأمون کانوا یوّظفــون المترجمین من الایرانییــن والهنــود والصابئة والیهــود والمســیحین وهــم أصحاب اللغـة المنقـــولة عنها کی تکون الترجمات أمینة وصحیحة . وکانت للترجمة مراکز متعــددة وواسـعة أشهرها فی الاسکندریة ، وجندی شابور ، وطهران ، وعلى سبیل المثال فقــد دُعـیَ إل بخت یشـوع من جندی شابور وثابت بن قرة وابنه ســـنان وکذلک البطانی عالم الریاضیات وابن وحشیة عالم النباتـــــات من مدینة حــرّان التی کانت تعتبر مهدا ً للحضارة الیونانیة .
ومن الأهمیة بمکان ان الترجمات الأولیـــة کانت ترکـــز علـى علــــوم الطب والکیمیاء والنجوم والریاضیات والفلسفة لما تشکل أهمیة حیویة بالنسبة لمجتمع خرج توا ً من الحروب والفتوحات والغزوات .. وبعد ذلک جاءت ترجمات مـــن نــوع آخر وهی ؛ الترجمات الأدبیة ، فظهر مترجمون کبار من أمثال ابن المقفـــــع الذی أصبح بحد ذاته مدرسة یتعلم منها الکتـّـاب والمترجمون أسلوب الکتابة الى یومنا هـذا . فقــد ترجم ابن المقفع کتبا ً کثیرة تمارس تعلیم التربیة والأخــلاق ضمـــن نطــاق القصــة والأدب ومنها کتاب ( کلیلة ودمنة ) الشهیر .
وکان ابن الندیم قد تحدث عن کتب ورسائل ومقــالات عدیـــدة ترجمت مــــن الفارسیة الى العربیة ولکن لم نجد لها أثرا ً ؟ !
ترى لم أختفت آثار تلک المخطوطات ؟ وهـــل ذلک یعنی ان آباءنا لــم یهتموا بأمر الحفاظ على ملامح ثقافتهم وآدابهم ؟ هکذا یتسـاءل المحاضـــر بمرارة ! بعدها ینتقـــل لإلقـــاء نظــــرة سریعة الى التاریخ المعاصر للترجمة وواقعها وعندهـــــــــا یطرح السؤال التالی :
( هل واکبت قافلة الترجمة بیــن ضفتــی الأدبیــن الفارســی والعربــی واقع الأحداث المتسارعة فی هذا الکوکب المتعاظم الصغر یوما ً بعد آخر ؟ ) . والجــواب هو : کلا حیث نکاد نحن والعرب لا نعرف بعضنا البعض من الناحیة الأدبیة ، رغــم أن آدابنـا القدیمة مفعمة بالآداب العربیة ولا یخفى على الکثیرین بأن غیر القلیــــل مــن آدباءنا الکبار کانوا یسطرون العدید من بنات أفکارهم عبــراللغـة العربیة بین طیات کتاباتهم باللغة الأم . فأصبح الایرانی اذا أراد ان یقرأ الأدب الفارسی القدیم ، أن یجید العربیة الى مستوى الفهم الدقیق ، فکتب الأدب والتراث الایرانـی وخاصـة فی القرون الرابع والخامس والسادس الهجری زاخرة بالمفردات والعبارات والأمثــال والحکـم والشعر العربی ناهیک عن النصوص القرآنیة والحدیث .
ولکن الیوم ... مـاذا نرى تعالــوا لنشــاهد معا ً ونســتمع الى ما تقولـه المکتبة الوطنیة والتی تتجمع فیهــا المعلومــات عــن الکتب المنشورة فی ایران ، إنها تقول ؛ 130 کتاب عن الشعر العربی الحدیث کتب عن الأدب القصصی لا یتجاوز عددها الـ 100 و 9 عدد المسرحیات العربیة هذه هی المصادر التی ستسد ظمأ المتعطشیـن من القــراء الایرانییـــن للأطلاع على الأدب العربی المعاصر . هذا ما سنعثر علیــه مـن أجــل التعــرف مجددا ً على عالم یعیش فیه أکثر من ثلاث مائة ملیون نسمة ونشترک معه فـی الدیــن والثقافة والتاریخ والجغرافیا .. انه أمر مؤسف ألیس کذلک ؟ ولکن کیف ســنواجه الجانـب الآخـر مــن السؤال ، وقبل الشروع فی الأجابة عن هذا الشق من السؤال لابد من الإشـــــارة الى قیود المهتمین بالأدب الفارسی القدیم واللذین قدّمــوا أعمالا ً قیمـة منــه الـــى العربیة ومنهم على سبیل المثال المرحوم المبدع محمد الفراتی والدکتور التونجــی والدکتـور عیسى العاکوب والاستاذ الکبیر عبدالوهاب عزام . ولکن ..
اذا أتینا الى الأدب الحدیث ، ماذا سنجد ؟
عدد لا یتجاوز أصابع الید من الأعمال هذا کل ما نضح به إنــاء یمتد من المحیط الى الخلیج !
فاذا کانت الحالة مؤسفة عندنا فماذا سنسمی الحالة عندکم ؟ إنه عتــاب مـُــر ّ حقا ً ولکنه ینضح بالقلق والحرص على واقع الحال الذی وصلت الیه العلاقة الأدبیــة بین الضفتین الفارسیة والعربیة والتی کان تضافرها فــی أزمــان مضت قد ترک لنــا سبیکة من الابداع لن یخفت شعاعها أبدا ً .
بعدها یتطرق المحاضر الى معاناة المهتمین بالترجمة والعقبات التی تقف أمام تطویر وتنشیط عملیة الترجمة فیقول :
کما هو معروف ، لا توجد فی بلداننا مؤسسات أو مدارس لتعلیم أسس وفن الترجمــة الأدبیة ، وقد یبرر ذلک البعض بحالة السوق والعرض والطلب .. الخ .
على اعتبار ان أغلب المترجمین یمیلون الى ترجمة العلــوم المتخصصة والتقنیــــات ..الخ ، ولکن الصحیح هــو اننـا بحاجــة ماسـة أیضا ً للترجمة الأدبیة والابداعیة فهی السبیل الوحید أو الأهم الذی نتواصل به مع العالــم روحیــا ً وأخلاقیـــا ً وثقافیا ً ، إن الترجمة الأدبیة تحتاج الى تدریب متواصل وجهــود جبــارة ومنهــاج تدریســی على أسس علمیة .. ولکنها کعملیــة إبداعیــة تحتــاج الترجمـــة الابداعیة الى أدیب ومبدع بالأساس ، فلیس کل المنتسبین الى کلیات الترجمة هم مبدعون أو أدباء ، إن الترجمة الأدبیة تحتاج الى أناس یتمیزون بالموهبة وأصحاب قلم ومیول أدبیة أصلا ً فالمترجم مبدع حقیقی قادر على منح النص حیاة متجددة دائما ً .
وفی الختـــام
فأن الترجمة هی عمل ثقافی کبیر الأهمیة ، تنتقل من خلالها الأفکـار وتتجــدد عبرها الحوارات ففی زماننا الیوم حیث أصبح العالــم قریــة کونیــة عبر الاتصالات السریعة المتعاظمة ، لا یمکـن ان نکتفی بالحوار الذاتی أو الداخلـی بل لا خیار أمامنا سوى الانطلاق ومن خلال الترجمة الى الآخرین وإیصال أصواتنا لهم .