أصدرت (مکتبة لبنان ناشرون) فی بیروت

الترجمة وأدواتها

الترجمة وأدواتها
أصدرت (مکتبة لبنان ناشرون) فی بیروت، هذا الشهر، طبعة ثانیة منقحة مزیدة من کتاب "الترجمة وأدواتها: دراسات فی النظریة والتطبیق" للدکتور علی القاسمی. ویُستخدَم هذاالکتاب مرجعاً أساسیاً فی معاهد الترجمة وأقسامها وبرامجها فی الجامعات العربیة.
يکشنبه ۲۱ مهر ۱۳۹۸ - ۱۱:۰۹
کد خبر :  ۴۱۲۸۸
تقع هذه الطبعة فی 248 صفحة من الحجم الکبیر، وتزدان بطباعة أنیقة وتجلید جید. وتبلغ الزیادة فیها 45 صفحة ناتجة من إضافة ثلاثة فصول جدیدة لهذه الطبعة، وبذلک أصبح الکتاب یتألف من 12 فصلاً هی:

دور الترجمة فی التفاعل الثقافی والحوار الحضاری،

الترجمة فی الوطن العربی (بلدان المغرب العربی نموذجاً)،

المعاجم العربیة المتخصّصة ومساهمتها فی توطین التکنولوجیا.

محلق: قائمة معاجم المصطلحات الموحّدة بمکتب تنسیق التعریب بالرباط (جدید).

هل ثمة إبداع فی الترجمة؟ (جدید).
نظریة الترجمة وعلم المصطلح،
أنواع المعاجم العشرة التی یحتاجها المترجم (جدید ).
المترجم والمعجم الثنائی اللغة،
مشاکل المترجم فی المنظمات الدولیة،
خفایا الترجمة وفخاخها: متی یعتمر همنغوای الکوفیة والعقال؟
فی إعادة ترجمة الأعمال الأدبیة المترجمة: ترجمة الأسالیب والنفسیات،
ترجمة الشعر: حبٌّ وموتٌ ونفیٌ،
تبسیط العِلم بالأدب وترجمة الکتب العلمیة.

وکان المؤلّف قد قدَّم بعض هذه الدراسات النظریة والتطبیقیة فی مؤتمرات دولیة حول الترجمة فی عواصم مختلفة مثل بیروت وسیئول وطنجة، ونشر بعضها الآخر فی دوریات متخصّصة فی المغرب ومصر، وشکَّل بعضها مقدّمات کتب ترجمها وناقش فیها قضایا الترجمة.

ویقول الناشر: " یلخِّص هذا الکتاب خبرة المؤلّف فی دراسة الترجمة وتدریسها، وممارسته لترجمة عدد من الأعمال الأدبیة العالمیة، واضطلاعه بمراجعة ترجمة بعض وثائق منظمة الأمم المتحدة ومطبوعاتها."

یتناول الفصل الأول فی الکتاب تاریخ الترجمة التی نشأت بوصفها وسیلة تفاعل ثقافی أو اقتصادی او اجتماعی بین الجماعات البشریة ذات اللغات المختلفة. ویضرب المؤلّف مثلاً على ذلک بالسومریین الذین تمکنوا من اختراع الکتابة، والعجلة، والمحراث، وتقسیم الزمن إلى وحدات، وسنّ القوانین والتشریعات، وأنشاء التعلیم وتأسیس المدارس ، وغیر ذلک. وعندما سیطر البابلیون بقیادة ملکهم حمورابی حوالی عام 1750 ق.م. على بلاد سومر، أخذ البابلیون یعلّمون أولادهم العلوم السومریة. فاضطر المعلِّمون إلى استخدام الترجمة فی نقل تلک العلوم من اللغة السومریة إلى اللغة البابلیة، وإعداد قوائم ثنائیة اللغة بالألفاظ السومریة ومقابلاتها البابلیة. وهکذا قادت الترجمة إلى ابتکار أولى أدواتها، المعجم.

ویرى المؤلِّف أن الترجمة تساعدنا على معرفة الآخر وإدراک الذات فی آن واحد. فالترجمة تقوم بتسلیط الضوء على الآخر لنتعرّف علیه، وتعرُّفنا علیه یساعدنا على معرفة أنفسنا، لأننا لا یمکننا إدراک الذات مالم نعرف الآخر؛ فبالآخر یتحدّد الأنا.

وتؤدّی الترجمة إلى تلاقح الثقافات، فهی تؤثِّر فی الثقافة المنقول إلیها وفی لغتها، حین تزوّدها بمفاهیم وعلوم وتقنیّات الثقافة المنقول منها، وتُغنی لغتَها بألفاظ وتراکیب وأسالیب جدیدة. ومن ناحیة أخرى، فهی تؤدّی خدمة للثقافة المنقول منها بتوفیر حیاة جدیدة للنص الأصلی. ومن الأمثلة على ذلک أن بعض کتب الفلسفة الیونانیة مفقودة ولم یَستعِد الغربُ مضامینها إلا من خلال الترجمة العربیة لهذه الکتب التی تمّت فی العصر العباسی.
أما الفصل الثانی فیعرض عرضا مفصلاً لوضعیة الترجمة فی الوطن العربی من خلال صورة دقیقة لأوضاع الترجمة فی بلدان المغرب العربی. فالمستعمر الفرنسی استخدم الترجمة وسیطةً بین الإدارة الاستعماریة والأهالی، وطریقة تعلیمیة لنشر لغته بینهم. أما بعد الاستقلال فقد استخدمت الدول المغاربیة الترجمة أداة للاقتباس من النهضة الأوربیة، وکذلک لتعریب الإدارة والتعلیم فی المغرب العربی. وهکذا أنشأت هذه البلدان معاهد الترجمة، ومؤسَّسات وضع المصطلحات، التی تعدّ من أدوات الترجمة . کما تطرَّق هذا الفصل إلى التشریعات المتعلقة بتشجیع الترجمة، وفی مقدمتها تعمیم اللغة الوطنیة وتنمیتها، وتلک المتعلقة بالمترجمین ومکافآتهم ونشر إنتاجهم، وتأسیس مراکز الترجمة الوطنیة والقومیة ، ونقل الکتب العلمیة والتقنیة إلى اللغة العربیة بکمیة کافیة ونوعیة جیدة.

ویتناول الفصل الثالث دور الترجمة فی تنمیة التقنیات الوطنیة وأهمها: بنوک المصطلحات، والترجمة الآلیة. ویضم ملحق هذا الفصل قائمة معاجم المصطلحات الموحّدة التی أصدرها مکتب تنسیق التعریب بالرباط. التی یقارب عددها ستین معجما باللغات الإنجلیزیة والفرنسیة والعربیة. وأغلب هذه المعاجم فی العلوم والتقنیات، وهی مخزونة فی بنک المصطلحات فی المکتب. ویمکن الاستفادة منه عن طریق الشابکة (الإنترنت)، وعنوان موقع المکتب : http://www.arabiztion.org.ma

فی الفصل الرابع، یعرّف المؤلِّفُ (الإبداعَ) بأنه "إنشاء شیءٍ جدید من عناصرَ موجودة سابقاً". وهکذا فإن الخاصیّتیْن الجوهریتیْن فی مفهوم (الإبداع) هما " تجاوز الواقع" و " تخیّل الجدید". أما (الترجمة) فیعرّفها بأنها "نقل معانی نصٍّ من لغة إلى أخرى". وهی تقتضی إعادة الکتابة فی اللغة المنقول إلیها. وهذه الکتابة الجدیدة تتطلّب أسلوباً یختلف من شخص لآخر، طبقاً لدرجة الإبداع لدیه، وذکائه، ومعرفته، ومزاجه، وقدرته على السخریة. ولهذا فالمترجم یبدع نصاً جدیداً من عناصر لغویة موجودة سابقاً. ففی الترجمة إبداع کذلک.

یوضّح الفصل الخامس العلاقة بین علم المصطلح ونظریة الترجمة. فعلم المصطلح هو "العلم الذی یبحث بین المفاهیم العلمیة والألفاظ التی تعبّر عنها". وقد یضطر المترجم أحیاناً أن یقوم بدور المصطلحی عندما لا یعثر على مقابل لمصطلح علمی باللغة المنقول إلیها. ولهذا لا بدّ للمترجم أن یُلمَّ بأصول علم المصطلح. ویستعرض هذا الفصل أهمَّ نظریات الترجمة التی تستند إما إلى علم اللغة أو علم الاتصال. ینظر علم اللغة إلى الترجمة بأنها تقوم على عملیتیْن الأولى عملیة تلقی معنى النص التی تمرُّ بثلاثة مستویات: الإدراک السمعی او البصری، وتفکیک النص لتحویله إلى مفاهیم ومعان، وإعادة بنائه لفهم مضمونه. والعملیة الثانیة هی عملیة التعبیر عن المعنى بمفردات وتراکیب یتلقاها القارئ. أما علم الاتصال فینظر إلى الترجمة بوصفها تواصل بین مرسلٍ ومتلقٍ وبینهما رسالة تمَّت صیاغتها وفق قواعد معینة بسیاق معین، وانتقلت من المرسل إلى المتلقی بوسط قد یتعرض لضوضاء خارجیة أو مؤثرات داخلیة قد تؤثر فی وصول امعنى الرسالة المراد إلى المتلقی.

یحسب بعضهم أن المترجم العربی لا یحتاج إلا إلى أداة واحدة تتمثل فی معجم ثنائی اللغة جید. بید أن الفصل السادس یبرهن على أن المترجم یحتاج لأداء مهنته إلى عشرة أنواع من المعاجم الجیدة هی: المعجم الثنائی اللغة، المعجم الأحادی اللغة لفهم لغة الأصل، المعجم الأحادی اللغة للتعبیر بلغة النقل، معجم للرموز والمختصرات والمختزلات، معاجم مختصة فی العلوم المختلفة، معجم مفهرس لألفاظ القرآن الکریم، معجم مفهرس للحدیث النبوی الشریف، معجم الاستشهادات، معجم الأعلام، معجم المتواردات. ویبیّن الفصل دورَ کل نوع من هذه المعاجم فی تیسیر عملیة الترجمة.

یخصص المؤلّف الفصل السابع لخصائص المعجم الثنائی اللغة الجیّد الذی یشکّل الأداة الرئیسة بید المترجم، مع دراسة تطبییقیة على معجم " المنهل: فرنسی ـ عربی". ویرى المؤلّف وجود نوعین من المعجم الثنائی اللغة: معجم مخصَّص لفهم اللغة الأجنبیة مقابل معجم مخصَّص للتعبیر باللغة الأجبیة. ثم یحدّد الخصائص الضروریة فی المعجم الجیّد وهی:

ـ الاتساع الأفقی: کفایة عدد المداخل الرئیسة،
ـ الاتساع العمودی: کفایة عدد المداخل الفرعیة.
ـ العنایة بالتعابیر الاصطلاحیة والسیاقیة،
ـ دقة الملعومات الدلالیة والمعلومات الأخرى: الصوتیة والنحویة والتأثیلیة.
ـ استخدام التمییز الدلالی، لمساعدة الممستعمل على فهم المعنی المقصود للمقابل المتعدد المعانی.
ـ العنایة بأسماء الأعلام،
ـ الإشارة إلى مجال الاستعمال للألفاظ.
ویضرب المؤلِّف أمثلةً على عدم دقة المقابلات من معجم "المنهل" فمثلاً:

ـ But هدف، غرض، غایة
ـ objectif هدف، غرض، قصد
ـ fin ...، غایة ، مصیر ...

وهذه المقابلات غیر دقیقة ، ولو أنها تنتمی إلى حقل دلالی واحد. وهی لا تساعد المترجم العربی. کان من اللازم أن یعطی المعجم مقابلات الکلمات الفرنسیة الثلاث على الوجه التالی:
ـ But غرض
ـ Objectif هدف
ـ Fin غایة

ویسوق المؤلّف أمثلة عدیدة من هذا المعجم لیبرهن على وجهة نظره. مثلاً فی حقل دلالی آخر یورد معجم "المنهل":

ـ Fosse لحد ، ضریح.
ـ Mausolée ضریح ، قبر ضخم
ـ Tombe ضریح،
ـ Tombeau رمس، لحد، ضریح، قبر

یقول المؤلّف: " جعل المنهل کلمة ضریح مقابلاً للمفردات الفرنسیة الأربع. وواقع الحال خلاف ذلک. فهذه الکلمات لها معان مختلفة فی حقلٍ دلالی واحد. والعربیة هی الأخرى تعبّر عن هذه المعانی الأربعة بکلمات مختلفة. فالحفرة التی تُعدّ لدفن المیت تُسمى ( جدثاً ) Fosse ، وعندما یُلحَد فیها المیت ویحثى علیها التراب، تُسمى (رمساً) Tombe، وعندما یُنصب على الرمس شاهدٌ یصبح (قبراً) Tombeau ، وإذا بُنی علیه بناء کبیر عاد (ضریحاً). أما ( اللحد) فهو شق فی جانب الحفرة یُلحَد فیه المیت. ویُسمى التراب أو الرمل الذی یُحثى على الجدث (رمساً) کذلک. وکلمة (قبر) بالعربیة لفظ عام یمکن أن یُطلق على جمیع هذه الأشیاء. وهکذا فالمقابلات الدقیقة هی على الوجه التالی:

ـ Fosse جدث
ـ Tombe رمس
ـ Tombeau قبر
ـ Mausolée ضریح

والمعجمی الذی یورد سلسلة شبه مترادفات مقابل کلمة واحدة مثله مثل الطبیب الذی یکتب فی وصفته للمریض عدداً کبیراً من الأدویة لعلّه یصیب فی واحد منها.

ویورد المؤلّف استشهادات من الشعر العربی للدلالة على صحة آرائه. کما یبین کیفیات التعامل مع الکلمات التی تغیّر معناها فی السیاقات المختلفة.

یتناول الفصل الثامن مشکلات المترجم العربی فی المنظمات الدولیة، التی یمکن تلخیصها فیما یلی:

ـ عدم توافر معاجم ثنائیة اللغة تتسم بالکفایة والدقة. وقد ناقش المؤلف ذلک فی الفصل السابق

ـ ضآلة قدرة المترجم العربی الإنتاجیة، الناتجة من تدنی نوعیة إعداده وقلة خبرته بسبب تبنی التعلیم العالی العلمی والتقنی فی البلدان العربیة لغة أجنبیة (الإنجلیزیة أو الفرنسیة) لغة تلقین. فی حین أن الدول التی حققت تنمیة بشریة عالیة کالیابان ومالیزیا والصین وترکیا وإیران وفنلندة وغیرها تستخدم لغتها الوطنیة فی جمیع مراحل التعلیم. (وطبعاً یتعلم طلابها لغات أجنبیة، ولکن لیس بوصفها لغة التعلیم، بل لغات أجنبیة أو ثانیة).

ـ مشکلة ضغط الوقت قد تؤدی إلى وقوع المترجم فی الخطأ. فالمترجم فی المنظمات الدولیة محدد بوقت علیه أن ینتج فیه النص المکتوب، أو إذا کان مترجماً فوریاً فعلیه أن یأتی بالترجمة الشفویة فی الحال. فلیس لدیه الوقت المتاح لاستشارة الشابکة أو الاستنجاد بمعجم من المعاجم. وتختلف متطلَّبات الدول والمؤسّسات الدولیة من حیث إنتاجیة المترجم اللازمة. فالحکومة الأمریکیة مثلاً تطلب من المترجم الواحد إنجاز ما بین 5 و7 صفحات فی الیوم، ومنظمة الأمم المتحدة تطالبه بـ 8 صفحات، والشرکات الألمانیة بـ 9 صفحات ( معدل محتویات الصفحة الواحدة 220 کلمة). ویشرح الکتاب العوامل التی تؤثِّر فی قدرة المترجم الإنتاجیة، مثل: صعوبة النص، والهدف من الترجمة، ووسائل المترجم وأدواته، واللغة التی یترجم إلیها، والضوضاء الخارجیة التی تؤثر فی عمله، إلخ.

ـ خطورة نتائج الخطأ الذی یقع فیه المترجم الدولی: فإذا کان خطأ المترجم الأدبی قد یؤدّی إلى إفساد متعة القارئ وفهمه للنص، فإن خطأ المترجم فی المنظمات الدولیة قد یؤدی إلى إفساد العلاقات بین دولتیْن. یروی مترجمٌ أمریکی أنه کان یترجم فی اجتماع بین الرئیس الأمریکی جورج بوش الأب، والرئیس السوفیتی غورباتشوف حول الحد من الأسلحة النوویة، وأخطأَ فی ترجمة أحد المصطلحات التقنیة . فذهب بعد الاجتماع إلى الرئیسیْن لیعتذر، فقال له الرئیس الأمریکی مازحاً: احمد الله أن خطأکَ لم یؤدِ إلى اندلاع حرب عالمیة نوویة.
والفصل التاسع هو مقدّمة المؤلِّف لترجمته لکتاب " ولیمة متنقلة" لإرنست همنغوای، الذی بلغت طبعاتها إحدى عشرة طبعة فی مختلف العواصم العربیة. ویقول المؤلِّف إن کتاب همنغوای أُهدِی إلیه عندما کان طالباً فی الجامعة الأمریکیة فی بیروت أواسط الستینیات وأُعجب به وأراد ترجمته إلى اللغة العربیة، ولکنّه تردّد ولم یُقدِم على ترجمته إلا بعد أکثر من ثلاثین عاماً. ویعود تردُّده إلى أن الکتاب یضمُّ ذکریات همنغوای عن باریس عندما أقام فیها عدة سنوات فی بدایة العشرینیات من القرن الماضی. ولم یکن المترجم یعرف باریس، فخشی أن تجانبه (الأمانة) فی النقل. إضافة إلى ذلک أن همنغوای کان یتحدث عن الهوایات التی کان یزاولها فی باریس مثل الرهان فی سباقات الخیل، وألعاب الدراجات البخاریة، وتناول أنواع الخمور والمشروبات الکحولیة، والمترجم لا خبرة له فیها، فخاف أن یجانبه (الصدق).
وبعد أن درس المؤلّف فی الولایات المتحدة وفرنسا تغیّر مفهوم (الصدق) و (الأمانة) لدیه. واقتنع بانه لا یشترط فی المترجم ممارسته فعلاً خبرات المؤلِّف الأصلی وتجاربه لتکون ترجمته صادقة. فالصدق صدقان: صدق واقعی وصدق فنی. وحتى المؤلِّف الأصلی قد یتحدّث عن أمور من المتخیَّل ولیس من الواقعی، فیصوِّر أحداثاً لم تقع، وتجارب لم یخبرها، ومع ذلک یحقق نجاحاً إذا توفرت له مخیلة مبدعة وتحلّى بالصدق الفنی.

ولم تعُد الأمانة تعنی المطابقة التامة بین النص الأصلی والنص المترجَم، لأنه لا توجد مطلقاً مطابقة تامة بین لغتیْن مهما کانت درجة القرابة بینهما، ومهما بلغ التشابة بین بنیتیهما وأسالیبهما. ولهذا فالترجمة الکاملة غیر موجودة بتاتا؛ فکل ترجمة یشوبها القصور، ونجاح أی ترجمة نجاح نسبی.

والفصل العاشر هو دراسة للمؤلِّف نشرتها مجلة "لوجوس" التی تصدرها جامعة القاهرة فی عددها الخاص عن الترجمة. وتحاول هذه الدراسة الإجابة على السؤال: لماذا نعید ترجمة الأعال الأدبیة المترجمة سابقاً؟ فیقدّم المؤلِّف عدة إجابات محتملة:

ـ لأن طبعة الترجمة السابقة قد نفدت ولم تعُد متوافرة فی الأسواق،
ـ لأن اللغة فی تغیّر وتحوّل وتطوّر باستمرار،
ـ لأن الترجمة تزید متعة القراءة لدى المترجم،
ـ لأن الترجمة تعلّم المترجِم الکتابة الأدبیة الإبداعیة،
ـ لأن المترجم کالممثل، ویختلف الممثلون فی أداء الدور الواحد.

ولکی یکتب المؤلِّف دراسته لمجلة " لوجوس"، قرر أن یترجم کتاباً له عدة ترجمات سابقة، فوقع اختیاره على قصة " الشیخ والبحر" التی نال على إثرها إرنست همنغوای جائزة نوبل وتتجاوز ترجماتها العربیة ثلاثین. ثم قارن ترجمته بترجمتیْن سابقتیْن أحدهما لشیخ المترجمین العرب، المرحوم منیر بعلبکی، والأخرى للدکتور زیاد زکریا. وأثبت من خلال أمثلة کثیرة أن الترجمتین السابقتین لم تراعیا أسلوب همنغوای الذی یتمیز بالسهولة، والاقتصاد فی اللغة، وعدم المبالغة، واللغة الإشاریة، واللامباشریة، وإشراک القارئ فی العملبة الإبداعیة. ویزعم المؤلف أن وظیفة الترجمة ینبغی أن لا تقتصر على نقل المعانی، بل کذلک الأسالیب، والنفسیات فی الثقافة الأصلیة. ویتطرق إلى إلى قضایا عدیدة، مثل ترتیب الصفات والنعوت فی الجملة العربیة، وشروط الإضافات المسموح بها للمترجم، ومدى قدرته على تغییر الصیغ اللغویة، مثل تغییر صیغ الماضی إلى المضارع، أو تغییر الکلام غیر المباشر إلى الکلام المباشر، أو تغییر الصیغة الاستفهامیة إلى الصیغة الخبریة، وهکذا.

ویتناول الفصل الحادی عشر مسائل شائکة فی ترجمة الشعر، من خلال ترجمة الدکتور بسام خلیل فرنجیة لخمسین قصیدة من آخر ثمانی مجموعات شعریة للشاعر الرائد عبد الوهاب البیاتی إلى الإنجلیزیة. وقد نشرت جامعة جورج تاون فی واشنطن تلک الترجمات فی کتاب عنوانه " حب وموت ونفی" ضمن احتفالاتها عام 1989 بمناسبة الذکری المئویة الثانیة لعید الاستقلال الأمریکی.

أما الفصل الثانی عشر فینصبُّ على مشاکل ترجمة الکتب العلمیة، متخذاً من ترجمة المؤلّف لکتاب روایة " أحلام أنشتاین" للدکتور ألن لایتمن، منطلقاً لهذه المشاکل. والدکتور لایتمن یضطلع بتدریس الفیزیاء الکونیة فی أشهر جامعة تقنیة أمریکیة هی معهد ماسشوست للتکنولوحیا ( M.I.T. )، وفی الوقت نفسه یقوم بتدریس الکتابة الإبداعیة فهو شاعر روائی قصاص ، وهذا ما لم یحصل فی تاریخ هذه الجامعة. وفی هذه الروایة یسعى لایتمن إلى تبسیط بعض محاور النظریة النسبة للقارئ عن طریق سبکها فی قصص قصیرة متسلسلة لتکون روایة رائعة.

ویعرض المؤلِّف أهم الصعوبات التی واجهته فی ترجمة هذه الروایة. وأبسط هذه الصعوبات أن کلمة (Time) باللغة الإنجلیزیة لفظ مشترک تقابل معانیه المختلفة باللغة العربیة ثلاثة ألفاظ مختلفة هی زمان وزمن ووقت، ما یتطلب جهداً وترکیزا وانتباها من المترجم لئلا یفسد معانی الکتاب المقصودة. ف (الزمان ) هو حرکة الکون، وهذا اللفظ العام یتألف من (زمن) ماضٍ، و(زمن) مضارع، و (زمن) مستقبل. فالـ (الزمن ) فترة من فترات (الزمان)، کما فی قولنا " زمن الصبا ولّى "، أو کما یقول نزار قبانی فی قصیدته " إلى نهدین مغرورین":

عندی المزیدُ من الغرور
فلا تبیعینی غرورا ...
من حُسن حظکِ
أن غدوتِ حبیبتی زمناً قصیرا.

فالزمان أطول من الزمن طبقاً لمقولة علما اللغة العرب الأقدمین : "زیادة المبنى تفیدُ زیادة المعنى".

و (الوقت) جزء صغیر من (الزمن)، کما فی قولنا "وقت الصبح" أو" دخل وقت صلاة العصر"، أو کا قال الشاعر دیک الجن الحمصی الذی قتل حبیبته بسبب وشایة کاذبة، ثم قتله الندم والأسى:

قولی لطیفکِ ینثـــنی ... عن مضجعی وقتَ الرقاد
کی أستریح وتنطفی ... نــارٌ تأجــجُ فــی الفـــؤاد

وقد یقع الخلط فی الاستعمال مجازاً، أو بسبب استعمال العام للخاص وبالعکس.

وفی آخر الکتاب یضع المؤلِّف سیرة علمیة موجزة له تشتمل على أکثر من خمسین کتاباً من مؤلفاته مع تاریخ النشر واسم دار النشر لکل طبعة من طبعات کل کتاب. وکذلک أزید من خمسین کتاباً ورسالة جامعة کُتِبت أو نُشِرت عن کتبه.

نقلا عن دیوان العرب

 

برچسب ها: شیرازیات

ارسال نظر