تُرجمت قصائده الأشهر ورباعیاته إلى أغلب لغات العالم، وکان لها أثر کبیر على الشعریة العراقیة بحکم التجاور الجغرافی بین الحضارة الرافدینیة والحضارة الفارسیة، مثلما لها أثر على الشعریة العربیة بحکم التجاور المعرفی والاهتمام الشعری، باعتبار الشعر دیوان العرب. فما هو هذا الأثر والتأثیر؟ ولماذا ظلّت قصائد الخیام حتى الآن تتردّد على ألسنة الشعراء وغیرهم؟ ومن هو أوّل من ترجم شعره من الفارسیة إلى العربیة؟
الخیام هو غیَاث الدین أبو الْفُتُوح عمر بن إِبْراهیم الخَیّام النیسَابورِی (1048 ـ 1131م) المعروف باسم عمر الخَیّام، نسبة إلى عمل والده فی صنع الخیام. هو، کما ذکرنا، عالم فلک وریاضیات، وفیلسوف، وشاعر مسلم فارسی، وُلد فی مدینة نیسابور، خراسان، إیران، وتوفی فیها وهو فی عمر 83 عامًا. درس الریاضیات والفلک واللغة والفقه والتاریخ. وهو أوّل من اخترع طریقة حساب المثلثات، ومعادلات جبریة من الدرجة الثالثة بواسطة قطع المخروط، وهو صاحب الرباعیات المشهورة.
ترجمات ودراسات
یقول الباحث الدکتور حسن عبید عیسى إن الخیام کان شاعر عصره، وهو الذی ابتدع هذا الشکل الشعری.. وعلى الرغم من أنه کتب رباعیاته باللغة الفارسیة، إلا أن الترجمات ساهمت بأن یکون شاعرًا مؤثّرًا فی العالم، وخاصة فی الوسط الأدبی الشعری العربی، وبالأخص الشعر العراقی. وأضاف أن الترجمات إلى العربیة ساهمت فی انتشار قصائده، وطریقتها، وموسیقاها. أهم ترجمات الرباعیات إلى العربیة کانت عراقیة، وعلى أیدی الشعراء أحمد الصافی النجفی، وجمیل صدقی الزهاوی، ومحمد الهاشمی، وکانت ترجمات مباشرة من اللغة الفارسیة إلى اللغة العربیة. ومن أهم المتأثرین به الزهاوی، وقد ظهر ذلک على شعره، بدلیل وجود دراسة أکادیمیة عنوانها "أثر رباعیات الخیام فی التجربة الشعریة للشاعر العراقی جمیل صدقی الزهاوی"، کتبها عبد الرزاق حسن رحمانی، وزهراء سخائی، ودراسة أخرى عن شاعر معاصر للزهاوی هو طالب الحیدری عنوانها "عمر الخیام ورباعیاته وطالب الحیدری فی معلقاته: دراسة فی التناص الفکری"، کتبها عماد الدین عبد الرزاق. أما الشاعر العراقی، حارث طه الراوی، فهو من أهم من جارى الخیام فی رباعیاته شکلًا ومضمونًا. ویمضی قائلًا إن تجربة الشاعر عبد الوهاب البیاتی فی مجال استحضار الخیام کانت على شکل استلهام لحیاة الخیام، وکذلک شخصیة حبیبته الصبیة عائشة، حیث أسطر البیاتی الشخصیتین.. ومن بین من بحث فی ذلک أیضًا خلیل بروینی بدراسة عنوانها "عائشة الخیام ودلالاتها الرمزیة عند البیاتی"، إضافة إلى دراسة للأستاذ صالح مدنی.
ویلفت الدکتور الانتباه إلى أن الخیام اشتغل مدیرًا للمرصد الفلکی فی بغداد، کونه کان صدیق الوزیر، نظام الملک، مؤسّس المدرسة النظامیة.. ویورد نصّا شعریًا عن بغداد ترجمته:
إذا العمر یمضی فلیرق لی أو یسوء
وسیان عندی أن أهلک ببغداد أو بلخ.
جرأة وعقل
یقول الأدیب مولود بن زادی: لم تکن بلاد فارس فی القرن الحادی عشر تفتقر إلى فلکیین، لکنَّ ما بلغه عمر الخیام من معرفة ونبوغ جعله یسمو إلى أعلى منزلة، خاطفًا أنظار العالم من حوله. ویضیف أنه کان عالمًا فی کثیر من الحقول، لکنه فی الشعر کان متمیّزًا بارعًا مجددًا، ولم یکن یشبه غیره، لا من حیث البنیة، ولا حتى المضمون. فقد اختار له قابلًا مختلفًا أسماه (الرباعیات)، لیکون أحد الألوان الشعریة، ویکون باسمه، سواء فی إیران، أم فی الأدب الشرقی عمومًا، وحتى العالمی. ولفت إلى أن ما ترکه الخیام من رباعیات تجاوز عددها الألف. ویعطی بن زادی مثالًا على نسج الرباعیات من قصیدة للخیام:
"أولى بهذا القلبِ أن یخفِقَ
وفی ضِرامِ الحُبِّ أن یُحرَقَ
ما أضیَعَ الیومَ الذی مَرَّ بی
من غیرِ أن أهوى وأن أعشقَ".
ویشیر بن زادی إلى أن قصائد هذا الشاعر تحمل إضافة إلى العواطف والانفعالات، أقوالًا مأثورة وعبارات تطفح بأرقى المعانی وأجمل الأمثال والحکم والمواعظ المثیرة للاهتمام، تتناقلها الأجیال حتى الوقت الحاضر. وعلى الرغم من ما هو معروف عن عمر الخیام بأنه کان جریئًا یخوض فی مواضیع هی خطوط حمراء، فإنه کان عقلانیًا. وعن تحوله إلى شاعر عالمی، یقول إنه بالرغم من صعوبة الترجمة إلى اللغات الأخرى، إلا أن الأمر مختلف مع الخیام حین ترجم إدوارد فیتزجرالد عام 1859 الرباعیات وتصرف بطریقته لیصنع من الترجمة مجالًا لقبول الناطقین باللغة الإنکلیزیة بها، ولهذا شاعت نصوصه فی المجتمعات الغربیة.