حوار مع علی نویر الشاعر العراقی

ثمة "أیدٍ ضامرة" تستسهل قصیدة النثر

ثمة
فی مفتتح سبعینیات القرن المنصرم، بدأ الشاعر العراقی، علی نویر، المولود فی البصرة (1950)، تجربته مع الشعر کتابةً (ونشرًا فی الصحافة الأدبیة)، لکن المسافة کانت طویلةً (ثلاثة عقود ونیف)، لیرى کتابه الشعری الأول النور. وقبل ذلک وبعده، نشرت قصائده فی عدة صحف ومجلات عراقیة وعربیة.
چهارشنبه ۰۱ تير ۱۴۰۱ - ۱۰:۲۲
کد خبر :  ۱۵۷۸۵۲

 

 

 

 

 

 

کُتِبت عن تجربته الشعریة قراءات ووقفات من قبل نخبة من النقاد والأکادیمیین. دُعِیَ إلى مهرجانات وملتقیات شعریة داخل العراق وخارجه، وتُرجِمت قصائد له إلى اللغة الإنکلیزیة.

فی أثناء ترؤسه اتحاد الأدباء والکتاب فی البصرة (فی الفترة من 2007 إلى 2010)، ترأس اللجان التحضیریة لـ"مهرجان المربد الشعری"، کما ترأس تحریر مجلة "فنارات"، وهی الفترة التی قال إنها عرّفته إلى أدباء وکتاب أکثر، هناک.

تراتبت لنویر أربعة إصدارات شعریة: "هل أبدل عتمة هذا البحر" (2005)؛ "خیول بلا أعنّة" (2011)؛ "حجر اللیل" (طبعة أولى، 2018. طبعة ثانیة، 2021)؛ "احمل فأسک" (2022). وإلى ذلک، صدرت له کتب مشترکة مع شعراء آخرین.

متحدثًا، عن مسیرته الشعریة، یقول نویر لـ"ضفة ثالثة": "نوعان من الظلال رافقا تجربتی: ظلال الطبیعة، وظلال الحیاة المُعتمة، ولا غرابة إذ تجدهما یتبادلان المواقع حتى فی القصیدة الواحدة". ومبدیًا رأیه فی منصات التواصل الاجتماعی، وفتوحاتها على صعید الأدب والشعر، قال إن ثمة "أسماک نافقة"، تخرج إلى الشاطئ، فی هذا الخضمّ من الوسائط التفاعلیة، لکنه یؤکد: "هذه المنصات تهبنا من وقت إلى آخر بعض اللؤلؤ الثمین".

وعن قصیدة النثر (العربیة عمومًا)، التی تکتب الیوم، یعتقد نویر، أن ثمة "نظرة قاصرة" فی فهم حقیقة هذا النوع من الشعر، سببها استسهال کتابة قصیدة النثر، مما جعل فضاؤها ضاجًّا بالکثیر من النصوص الردیئة: "إنها محنة الجمال عندما تلهو به یدان ضامرتان"، على حد تعبیره.

هنا حوار معه:

 

(*) خمسة عقود مع الشعر.. کیف عشتها؟

هذه العقود الخمسة التی أمضیتها لم تکن خالصةً لکتابة الشِعر للأسف، فقد تخلّلتها فترات من الانقطاع لأسباب مختلفة، إلّا أنّ تواصلی مع الشِعر بقی مستمرًّا على صعید القراءة ومتابعة ما هو جدید. ومع مطلع الألفیة الثالثة نشطت مرة أخرى فی کتابته والمشارکة فی نشاطاته، ساعیًا إلى ردم الهوّة التی خلّفتها ورائی.

(*) کیف هی أحوال المشهد الثقافی فی العراق، الیوم؟

ما زال المشهد الثقافی العراقی حافلًا بما یُغری القارئ والمتابع والدارس. ما زالت المطابع ودور النشر فی العراق وخارجه تزفّ إلینا، سنویًا، مئات العناوین فی الشعر والقصّة والروایة والنقد والفکر، بعضها حظیَت بالجوائز واهتمامات النقّاد والمختصّین، فضلًا عن وجود العدید من المهرجانات الأدبیة والملتقیات الشعریة فی مخلف المدن العراقیة. ولکن هل فی ذلک کلّه ما یمنحنا انطباعًا کافیًا عن أهمیة ذلک المشهد أم أنّ الأهمیة الحقیقیة تتجلّى فی ما ستترکه لنا تلک الإصدارات والفعالیات الأدبیة من أثر حقیقی فی وجدان المتلقّی وعقله...؟

(*) منذ کتابک الأوّل "هل أبدل عتمة هذا البحر"، 2005، وحتى مجموعتک الأخیرة "احمل فأسک"، 2022، أین هو علی نویر، شعریًا؟

ما زلت أجدنی على مسافة أراها بعیدة إلى حدٍّ ما عن القصیدة التی أنشد، وما کتبته إلى الآن قد لا یصمد منه إلّا القلیل أمام عثّة الزمن. لکن أقصى ما أستطیعه هنا، هو أن أحیلک إلى الإشارة الموجزة فی إجابتی على سؤالک الأوّل، وإلى عدد من المقالات والدراسات التی تناولت تجربتی أو جانبًا منها، وبعضها بأقلام نقاد وشعراء معروفین، منهم: الراحل یعرب السعیدی؛ منصف الوهایبی؛ سامی مهدی؛ یاسین النصیر؛ حاتم الصکَر؛ جمیل الشبیبی؛ ریاض عبدالواحد؛ حمید حسن جعفر.. وآخرون.


 


الفضاء الأزرق..

(*) فضاء منصات التواصل الاجتماعی، هل أضاف شیئًا للأدب والشِعر، برأیک؟

لا یمکن إنکار الدور المهم لهذا الفضاء الذی هیّأ الفرصة أمام النصّ الأدبی لأن یکون فی قلب العالم بکبسة زرّ، وأن یکون الکاتب ملء البصر ومقصد الآلاف من القرّاء والمتابعین، وهذه الفرصة لم تکن متاحة یومًا ما لشاعر أو أدیب. فالنصوص التی کانت تحظى بعدد محدود من القرّاء، فی هذه الصحیفة أو تلک المجلة، أصبحت الآن تحظى باهتمام الآلاف من الأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء فی أنحاء المعمورة، وهذا بحدّ ذاته مکسب کبیر للأدب والشِعر والثقافة، مع الإقرار بأنّ هذا الفضاء سمح لأعداد أخرى کبیرة جدًا من المتطفلین وأنصاف الموهوبین لأن تحتلّ جانبًا کبیرًا من المشهد، وما هذا الفضاء سوى البحر المحیط إذ یطرح على سواحله المدیدة باستمرار المزید من الزبد والأسماک النافقة والأشنات، إلّا أنها لا تخلو من بعض الأصداف التی تهبنا من وقت إلى آخر بعض اللؤلؤ الثمین.

(*) ما رأیک فی قصیدة النثر العربیة التی تُکتَب الیوم؟

لقد قطعت هذه القصیدة شوطًا مهمًّا، إلّا أنّ الطریق ما زال أمامها طویلًا، وقد جاءت بدایاتها الحقیقیة بعد عقد تقریبًا من بدایات (الشعر الحرّ) أو ما أصطُلِحَ علیه فیما بعد بشعر التفعیلة، واستطاعت خلال هذه الفترة القصیرة من الاستحواذ على الجانب الأکبر من المشهد الشعری العربی، واستطاعت من خلال نماذجها المتقدّمة أن تکون محطّ اهتمام النقاد والدارسین الأکادیمیین کذلک، وأصبح لها شعراؤها الممیّزون، ولکن کما أشرت فی ملاحظتی السابقة بخصوص استسهال النشر فی مواقع الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعی، نجد کذلک العدید ممّن آمن بقدرته على کتابة هذا النوع من الشعر، بعد أن خُیّل إلیه أن سیاجه قصیر وأنّ الفرصة أصبحت مواتیة لکل من یعرف الکتابة.

هذه النظرة القاصرة فی فهم حقیقة هذا النوع من الشعر، جعلت هذا الفضاء ضاجًّا بالکثیر من النصوص الردیئة، إذا صحّ القول بأنها نصوص فعلًا.

إنها محنة الجمال عندما تلهو به یدان ضامرتان.

(*) فی واقع مُلغّم بالحروب والأوبئة والکوارث، ما الذی یُشغل المبدع العربی الیوم؟

لا یمکن النظر إلى المبدعین العرب کما لو أنهم مجموعة متجانسة أو منضویة فی حرکة أو فریق أو شرکة.

الواقع العربی الآن مُتشظٍّ بفعل ما مرّ ویمرّ به، یومیًّا، من حروب وأوبئة وکوارث، والکثیر منها لها أسبابها الداخلیة بالتأکید.. هذه الوقائع الکارثیة کان لها التأثیر الحاسم فی تخریب النسیج المجتمعی، وفی إفساد أجیالنا فی العقود الأخیرة، والمبدع بما یمتلکه من وعی مغایر ومشاعر استثنائیة قد تلقّى بدوره هذه الصدمات بدرجة مُضاعَفة، أقول المبدع وأعنی المبدع العربی الحقیقیّ، وأیّة مراجعة جادّة وأمینة للنتاج الإبداعی العربی للعقود الأخیرة، ستشکّل، حتمًا، الإجابة المطلوبة على هذا السؤال.

تجربة نقابیة

(*) ترأسّت اتحاد الأدباء والکتّاب فی البصرة (للفترة من 2007 إلى 2010)، وهی الفترة التی ترأسّت فیها اللجان التحضیریة لـ"مهرجان المربد الشعری"، کیف کانت هذه التجربة النقابیة؟

لا أخفیک سِرًّا أنّ هذه الفترة بالنسبة لی هی فترة مُربکة إلى حدّ کبیر، فهی، من جهة، قد أتاحت لی فرصة التعرّف على العدید من الشعراء والأدباء والفنّانین إذ لم تکن لدیّ الفرصة المناسبة للتعرّف على هذا العدد الکبیر من قبل، وإلى الآن أعتزّ بصداقة العدید منهم. ومن جهة أخرى، أجدها قد سرقت منّی أوقاتًا ثمینة، کان من المفروض أن أکرّسها لما هو أهمّ: تجربتی الشعریّة. ومع هذا، لی الحقّ، کما لغیری، فی أن أتباهى، وفی ظروف استثنائیة قد مرّ بها هذا البلد، ببعض الإضافات المضیئة، على تواضعها، والتی أظنّها قد ترکت أثرًا جمیلًا، سیتذکره بعض الأصدقاء الذین عملوا معی، وکذلک بعض المنصفین من أصدقائی الشعراء والأدباء العراقیین.

 (*) لنعد إلى البدایات، حدّثنا عن قراءاتک وعن البیئة الأولى التی شکّلت انطلاقة تجربتک الشعریة؟

ولدت فی أسرة فقیرة، ذات أصول فلّاحیّة، وفی بیت قریب من النهر. دخلت المدرسة الابتدائیة متأخّرًا سنتین عن موعدها، وکان الکتاب المدرسیّ أوّل کتاب وقعت علیه عینای، إلّا أنّ مسیرتی الدراسیة شهدت تفوّقًا ملحوظًا على الرغم ممّا مرّت به أسرتی من ضیق مادّی انعکست ظلاله على کتاباتی إلى الآن، خاصة بعد سلسلة الکوارث والحروب التی ابتلیَ بها هذا البلد.

ویمکن اعتبار الطبیعة الریفیة فی قریة آبائی، والتی عشت فی ظلالها سنوات طفولتی الأولى، هی المؤثّر الآخر الذی رافق مسیرتی الشعریة والحیاتیة. إذًا، نوعان من الظلال رافقا تجربتی: ظلال الطبیعة، وظلال الحیاة المُعتمة، ولا غرابة إذ تجدهما یتبادلان المواقع حتى فی القصیدة الواحدة.

والرافد الآخر المهم هو قراءاتی، منذ البدایات الأولى، إذ کنّا مجموعة من الأصدقاء فی مطلع حیاتنا الأدبیة وجدنا فی قراءة الکتب الأدبیة وتبادلها، السلوى الوحیدة فی مدینة جنوبیة تکاد تخلو من مغریات أخرى، هذا إذا استثنینا متعة الذهاب إلى السینما لمشاهدة آخر الأفلام، وکذلک مزاولة بعض الألعاب الریاضیة.

وقراءة الکتب قادتنا من حیث لا نحتسب إلى الکتابة. کان دفتر الإنشاء المدرسی هو البدایة التقلیدیة فی تلک الأیام، ومنه خرج الشاعر والقاص والروائی والمسرحی والناقد والمفکّر.

الآن، وبعد عقود خمسة، ما زلت أدین لتلک الظلال البعیدة بما وصلت إلیه، وبما أنا علیه.. شاعرًا وإنسانًا.

ارسال نظر