سعدی الشیرازی شاعر الإنسانیة

الدکتور محمد موسى الهنداوی / صادق خورشا

الدکتور محمد موسى الهنداوی / صادق خورشا
قد خلف لنا الدکتور هنداوی العدید من الأبحاث و المؤلفات القیمة الممتعة فی الأدب الفارسی و کانت باکورة أعماله هی کتابه سعدی الشیرازی (شاعر الإنسانیة) عصره و دیوانه البوستان. و قد تناول هذا الکتاب تاریخاً حافلاً بالحوادث فی القرن السابع الهجری. و هو العصر الذی عاش فیه الشاعر.
چهارشنبه ۱۷ آذر ۱۴۰۰ - ۰۹:۲۴
کد خبر :  ۱۵۴۲۵۹

 

 

 

 

 


و هو من رعیل الخریجین الأوائل فی کلیة الآداب بجامعة فؤاد الأول, حینما کانت الفارسیة تدرس فی(معهد اللغات الشرقیة) التابع لکلیة الآداب. و قد دَرَّس فی البدایة بکلیته التی تخرج منها, و ما لبث أن أنتقل للعمل فی (کلیة دار العلوم) بالقاهرة و فی جامعة الکویت و کانت هذه أول مرة تُدرس فیها اللغة الفارسیة وآدابها هناک و استمر فی العمل بجامعة الکویت حتى آخر لحظة فی حیاته.
و قد خلف لنا الدکتور هنداوی العدید من الأبحاث و المؤلفات القیمة الممتعة فی الأدب الفارسی و کانت باکورة أعماله هی کتابه سعدی الشیرازی (شاعر الإنسانیة) عصره و دیوانه البوستان. و قد تناول هذا الکتاب تاریخاً حافلاً بالحوادث فی القرن السابع الهجری. و هو العصر الذی عاش فیه الشاعر (سعدی), فتناول أحداثه السیاسیة العامة والخاصة –فی الأقلیم و الدولة – وکذلک فصل الحدیث عن الحرکة العلمیة والمواکبة لهذا العصر, وأوضح مدى انعکاس کل هذا على تکییف حیاة الشاعر, و أثره فی إنتاجه ثم انتقل بعد ذلک للحدیث عن شخصیة (سعدی) ومذهبها فی الحیاة , وحقق وقارن الآراء والخلافات التی تدور حولها.
ثم عدد إنتاجه محاولاً استخلاص بعض أفکار الشاعر(سعدی) و آراؤه و مذهبه. و أخیراًَ فی الباب الثالث أفرد الحدیث عن دیوان (بوستان)
وقد أختار الدکتور (الهنداوی) البوستان من إنتاج الشاعرجمیعه لأنه أهم کتاب یعرض للدراسة الأخلاقیة, ویوضح کثیراً من مذاهب الشاعر, وآرائه.
والحقیقة، أن قراءة هذا الکتاب تعد متعة, فعلى سبیل المثال نجد فی الباب الثانی دراسة واقعیة وتحقیق علمی حول شخصیة, سعدی الشیرازی، فقد تتبع هنداوی أطراف حیاته من البدایة حتى النهایة و فصل فی کثیر من الخلافات حول مسائل هامة تعد موضوع جدل و مناقشة مثل النسب والتاریخ المیلاد وغیر ذالک.
أما فصل الحضارة، فقد أکد فیه الدکتور ( الهنداوی ) على حقیقة – و ربما لأول مرة تتناول لهذا المنظور- و هی أن المغول کانوا أهل حضارة و لم یعادوها بالمعنى الذی عرف عنهم، ووصف بعض المظاهر الحضاریة المدللة على نظریته.

أما دراسته التحلیلیة لدیوانه کانت عوضا عن الترجمة الصامتة وهو یرى من منطلق إیمانه بالدکتور طه حسین ونظریته فی هذا الموضوع، أن الترجمة وحدها ترضى حاسة الأدیب قبل أن تسد حاجة الباحث العلمی, فالترجمة, هنا هی عمل تکمیلی لا أساسی.
و قد شملت هذه الدراسة التحلیلیة تحلیل المقامات و ما تحتویها من أفکار ثم تحلیل القصة التی تدور حول شخوص تاریخیة أو على السنة الحیوان... ولأنه قرر تعیین حدود القصة قبل الولوج إلى أفکارها و مواضیعها فقد وضع الجداول, و أتبع تحلیل القصة بالإشارة الی الأفکار العامة التی نادى بها الشاعر فی مختلف قصص الباب کله.
و هو یؤکد أنه اختار أقوى القصص – بلا منازع – وعرضها للتحلیل فی معرض إثباته للشاعر و آرائه. ونثبت هنا إحدى القطع التی تتعرض لوصفه تعالى , فیجتمع فیها وصفه بالقدم, و القدرة, و الخلق ثم فی بیان عجز الإنسان عن إدراک کنهه.

ان العالم متفق على إلهیته
لکنه عاجز عن کنه ماهیته
لم یعرف البشر شیئاً وراء جلاله
لم یدرک البصر منتهى جماله
و لن یبلغ طائر الوهم أوج ذاته
و لن تترک ید الفهم , أطراف صفاته.

ومما یناسب باب العشق الصوفی:
تأمل فی مرآة قلبک.
تحصل تدریجیاً – على صفاء نفسک
لعل رائحة من ا لعشق تسکرک
فتصی طالباً لعهد (الست(

ومن القطع الجمیلة، القطعة الخامسة من نسخة (سودی) وعنوانها (فی معنى أهل المحبة) وتتردد فی هذه القطعة عقیدة الفناء فی الله و قد وردت فی ترجمة هنداوی فی ص 402:

لا تنتظر أن یکون لی صبر بدونه!
و لا یمکن أن یکون لی قربى بغیره!
لیس عندی محل الصفاء, و لا قدرة على الصبر
و لا مکان للبقاء, و لا قدم للفرار.
لا تقل لی ولّ وجهک عن هذا الباب !
و لو وضعوا رأسی - کالوتد- فی الأطناب
ومنذ ذلک الوقت, الذی طلبنی فیه حبیبی
لم تبق لی معرفة مع أحد غیره
ولأقسمن بحقه! حین ظهر لی ما فیه من جمال
فکل ماسواه, بدا لی! کأنه خیال.
و ان کنت حبیبا, فلا تتحدث عن نفسک
فأنه شرک أن تجمع بین الحبیب, وبین نفسک.

و الحقیقة ان صلة الدکتور (هنداوی) بشاعر الإنسانیة لم تنتهی عند هذا الحد, لانه کان قد ترجم فی بدایة رحلته مع (سعدی) أشعار کثیرة, و قد تحدث معه الدکتور طه حسین بهذا الصدد و اتفقا على أن تؤجل عملیة نشر هذه الترجمة فی مرحلة أخرى و علیه فقد انتقى الأشعار الخاصة ببحثه و ضمنها عمله الأول، و قد قام بدراسة وافیة مستفیضة عن (البوستان) و عن موضوعاته و نسخه و الشروح الفارسیة و الترکیة التی تمت علیه, و کذلک أبوابه و حکایاته ثم ترجم کتاب البوستان کاملاً فی مجلدین و استطاع أن ینقل لنا الأشعار الخالدة محافظاً على المعانی و الفکرة وبأسلوب سلس دقیق.
وبعد هذه الرحلة مع ( شاعر الإنسانیة) وجد (هنداوی) ان هناک من الروائع الخالدة التی کتبها الشاعر, لابد و أن یطلع علیها القارئ العربی فقام بترجمة ( الکلستان) و ذلک تحت عنوان (الروضة) وقد صدر ضمن سلسلة روائع الأدب الفارسی –مکتبة الأنجلو المصریة – القاهرة عام 1955 م. وقد قام بتحقیق النص الفارسی وقدمه للقارئ العربی واضعاً تحت یدیه الأصل الفارسی المحقق المصحح مع الترجمة العربیة، وجدیر بالذکر أن وزارة المعارف الإیرانیة منحت الدکتور ( هنداوی) وسام المعارف عام 1953 م و ذلک تقدیراً له على جهوده و أبحاثه القیمة فی مجال الأدب و الثقافة الإیرانیة.

و قد صدر الدکتور ( هنداوی) نسخة البوستان – الطبعة الأولى – صورة هذا الوسام, و کذلک صورة لتهنئة الجامعة له بحصوله علیه.
ومن أعماله القیمة کذلک (المعجم فی اللغة الفارسیة) وهو یحتوی قرابة 20ألف کلمة واستعمال وترکیب مع مقابلة دقیقة على أوثق المعاجم الحدیثة وسوف نترک (الدکتور عبد الوهاب عزام), یحدثنا عن هذا المعجم:
(عنى التلمیذ الصدیق الدکتور محمد الهنداوی, بوضع معجم مختصر, اعتمد فیه على أوثق المعاجم الفارسیة و الإنکلیزیة. و هو معجم صغیر یمد الطالب بحاجته و یسعفه بطلبه... و قد عکف على العمل فیه سنین و لقی فیه من المشقة ما یلقى من یعانی مثل هذا العمل، و هو عمل لم یسبق إلیه فی اللغة العربیة.)
وقد استعان فی تدوین معجمه أولاً بالدکتور (عبد الوهاب عزام) عندما کان مدیراً لمعهد للغات الشرقیة بجامعة فؤاد الأولى وقد طلب منه ان یقابل معجمه على معجم فارسی بحت و تخیر له معجم (نوبهار) أو معجم (برهان قاطع) و لکن هذا التعاون و المشارکة العلمیة توقفت بعد فترة إذ انشغل الدکتور عزام بمنصب عمادة فی کلیة الآداب. فاستعان الدکتور هنداوی بالسید (کاظم آزرمی) الملحق بالسفارة الإیرانیة آنذاک وکان قد أسند إلیه العمل فی تدریس اللغة الفارسیة وآدابها بمعهد اللغات الشرقیة . اقترح علیه السید کاظم الآزرمی مقابلة معجمه على قاموس(فرهنک نفیسی) و قد تم ذلک بالإضافة إلى مقابلته مع معجم steingass کما استعان الدکتور هنداوی بعد أن ثقلت أعباء السید کاظم الآزرمی, بالأستاذ الدکتور (أحمد ترجانی زادة) الأستاذ بجامعة تبریز و الموفد إلى مصر و قد انتدبته کلیة الآداب بجامعة فؤاد الأول للتدریس بمعهد اللغات الشرقیة
و قد قام الدکتور محمد موسى الهنداوی کذلک بترجمة کتاب عن تاریخ الأدب فی إیران تحت عنوان (تاریخ الأدب الفارسی) و الکتاب من تألیف الدکتور(رضا زاده شفق) و عنوانه بالفارسیة (تاریخ أدبیات در إیران ) و هو بهذه الترجمة یعّرف العدید من أدباء وشعراء الفارسیة عبر العصور المختلفة بعد الإسلام. و الکتاب یعد تکملة لما قام به الدکتور الشواربی من ترجمته لکتاب (تاریخ الأدب فی إیران من الفردوسی إلى السعدی) والتی ترجمها عنه(ادوارد براون(

و من أعماله الجلیلة بالاشتراک مع الدکتور فؤاد الصیاد و الأستاذ صادق نشأت، ترجمته الجزء الأول من المجلد الثانی من کتاب (جامع التواریخ) و کان ذلک بتکلیف من وزارة الثقافة و الإرشاد القومی (الإدارة العامة للثقافة) و یحتوی هذا الجزء على فترة من أهم فترات تاریخ المغول وهی فترة حکم (هولاکو) و کذلک مقدمة المؤلف (رشید الدین فضل الله) و کذلک مقدمة (کارتر یر) المستشرق الفرنسی الکبیر الذی قام بنشر الکتاب و قد ترجم کذلک (یوسف وزلیخا) المنسوب للشاعر الکبیرالفردوسی و(نصائح الملوک ) للغزالی و أیضاً (نصائح الملوک) لسعدی.
ونختم حدیثنا عن الدکتور (محمد موسى هنداوی) بمقطوعة لشاعر الإنسانیة، قام بترجمته هنداوی و هی رقم ( 815) و تحتل الصفحة ( 251) و الترجمة:

سواء أکان المرء عبداً ... یحمل الأحمال على أم ناصیته
أو یسامی الفلک فی علوه... و تدنو منه رأسه
ففی اللحظة التی تنتهی فیها حیاته
یغدر الصفاء... والشقاء... رأسه...
إن الغم والسرور ... لیس لهما الدوام
ولکن یبقى ثواب العمل الطیب... والاسم العظیم
إن الکرم هو الدائم ... ولیس الدوام للتاج و التخت
فأعط!! فإن العطاء بقاء!! یا سعید البخت!!
وأخیرا نذکر فهرساً لمؤلفاته وهی:

---------------------------------------------------------------------------

1 – تاریخ الأدب الفارسی .
2 – سعدی الشیرازی ( شاعر الإنسانیة(
3 – المعجم فی اللغة الفارسیة.
4 – بوستان ( الجزء الأول(
5 – کلستا ن أو الروضة(الجزء الأول(
6 – جامع التواریخ لرشید الدین فضل الله
7 – بوستان(الجزء الثانی(
6 – السامی فی الاسامی للمیدانی صاحب الأمثال. بالاشتراک
9 – کلستا ن أو الروضة ( الجزء الثانی(
10 – بوستان (الأجزاء الأخیرة)

 

ارسال نظر