قصة قصیرة

رجل الملح / عبد المجید نجفی

رجل الملح / عبد المجید نجفی
قاص و روائی و باحث، ولد فی 1959 بمدینة تبریز. دخل الى الجامعة فی العام 1977 توظف -بعد تخرجه- فی مرکز الرعایة الفکریة للأطفال و الأحداث بصفة خبیر فی الشؤون الأدبیة.
شنبه ۰۶ آذر ۱۴۰۰ - ۱۰:۱۸
کد خبر :  ۱۵۳۹۶۱

 

 

 

 

 

 

 تخلى عن وظیفته فی العام 2001 لیواصل عمله کباحث فی الشؤون الابداعیة. صدرت روایته الأولى فی العام 1989 و کذلک مجموعته القصصیة الأولى فی السنة نفسها. یکتب القصة و الروایة و الشعر و یدرِّس عناصر القصة للشباب. واصل نجفی دراسته على مستوى الماجستیر فی اللغة و الأدب الفارسی، حصل على جوائز قیمة و صدر له الى الآن خمسین کتاباً. بعض عناوین روایاته:

  • بلد الثلوج
  • بنت اسمها بریا
  • السر الضائع لخاور
  • سطوح السم
  •  

 

رجل المـلح

عبد المجید نجفی

تعریب: قاسم المحمودی

 

على مقربة من السقیفة التی کان صالح جالساً تحتها یقع منجم الملح القدیم، ومما وراء أو مما یحیط من أمام وخلف هذا المنجم، تمتد صحراء بیضـاء و لا شیء غیر ذلک؛ وعلى الیسار وبشکل متناثر متقطع، تلاحظ آثار مناجم ملح مشابهة. کانت داویة لا یرف فیها جناح طیـر. کانت أواخر حزیران وکان صالح قد أنهى امتحانات نهایة العـام.

کان الجمیع یعرف أبا صالح بـ صَفْدَر بائع الملح؛ صفدر رجل خمسینی قوی البنیة. قبل سنین وقبل أن یشتری شاحنة مستعملة وقبل أن یولد صالح، کان صفدر یصب الملح مع والده المشهدی عمران فی الخرج، ویحملانه على عدد من البغال، سائقیْن إیاها إلى المدینة. کان صالح یعشق صمت الصحراء المقفرة. تبعد تلک النواحی عن القریة ثلاثة عشر کیلومتراً، وکان علیک السیر تسعة وخمسین کیلومتراً من قریة "حمزة أباد" حتى تبلغ المدینة. کان بعض الکثبان یتلألأ تحت أشعة الشمس المنصهرة. کان صالح قد تعود رائحة الملح. کان صَفدر یأتی مرتین، ویملأ الشاحنة بالملح بمساعدة ابنه. کان صالح یتصبب عرقاً مثل أبیه کلما قرع بعتلته صخور الملح الصلبة، مکوماً صخور الملح هذه فی زاویة من فناء بیته الکبیر المفروش بالرمل فی القریة، ویعود ثانیة؛ ولیشحن شاحنة صدیقه آخر الأسبوع و یأخذها إلى المدینة لبیع الملح هناک.

کان یمتلک ذلک المنجم مع عدة مناجم أخرى رجل یدعى صادق خان، والذی کان قد سافر خارج البلاد منذ سنین طویلة ولم یعد حتى الآن. نهض صالح بعدما لاث عصابته القطنیة على وجهه ورأسه وهو یقول فی نفسه:"لم یأتِ أبی بعد، من الأفضل أن أعمل قلیلا!"

شرب قلیلا من الماء بالکوز وحمل عتلته وخرج من السقیفة. کان قمیصه القطنی ملتصقا بجسده النحیل، واغتبط لأنه ینتعل خفاً ککل عام. وقف قبل بلوغه التضاریس الحادة؛ أحس کأن شخصاً یقف خلف سقیفتهم الحصیـریة. بلع ریقه وکـرّ راجعاً.

- من عساه یکون یا ترى؟!

سار خطوات أخرى. میّـز من خلال شقّ جدار السقیفة الحصیری رجلا ضخماً، وتسمر مکانه.

- صالح قد أصبح رجلا الآن!

دوى صوت أبیه فی رأسه. صاح بنفسه:" تقدم صالح! ستحطمه بعتلتک إن ضربته ضربة واحدة!"

ضغط مسکة العتلة بشدة فی یده وتقدم. على بعد بضع خطوات عن السقیفة سمع صوتاً غریباً. سمع الشخص الذی تحت السقیفة یحشرج کالدب المصاب بطلقة!

- "أکید أنه مجنون! لیت أبی یعود بسرعة!"

کز أسنانه وتقدم؛ وقف على عتبة السقیفة ونظر. رجل یغطی وجهه ورأسه شعر کثیف وهو یحتضن جرة الماء تحت لاهثاً. مع رؤیته صالح ألقى الکوز على البساط الرث الذی یفرش أرضیة السقیفة. انسکب قلیل من الماء على البساط.

سأل صالح صائحاً وهو رافع عتلته فوق رأسه:

- من أنت ؟ وماذا تفعل هنا ؟

کانت ذرات الملح عالقة على شعر الرجل و ملابسه التی کانت تشبه ملابس الخیالة. رفع الرجل یدیه فی علامة للإستسلام. کانت عیناه جوزیتین وأنفه معقوفا کمنقار العقاب، وبشرته بنیة غامقة؛ تبدو من تحت طبقة الملح الرقیقة کالجلد المدبوغ. کان یلبس الجزمة. انصدم صالح من الشبه الکبیر الذی بین الرجل وبین صورة جده الموجودة على الرف فی بیتهم.

أثار انتباه صالح، اللون الغامق لعینی الرجل الذی تشبه عیون الدمى الزجاجیة.

- کنت ساعی برید قبل ألف وستمئة سنة من الآن. أنا "روزبـه"!

ألقى صالح عتلته على الأرض وهو یتحدث إلى نفسه:" کانت خالتی تقول أننی سأفقد صوابی لکثرة ما أبقى فی الصحراء وحیداً!" شعر برکبتیه ترتجفان. جف ریقه؛ لم یکن باستطاعته أن یترک رجل الملح خلفه ویهرب، ولا أن یصدق ما یراه أمامه.

قال رجل الملح: قبل ألف وستمئة سنة کان هنا ثمـة بحر حیث أغرقنی مغاویر خیالة السلطان فیه...!

سأله صالح مندفعاً: ولمـاذا؟

قال الرجل: کانت زوجتی "سوادبة"، وکانت جمیلة جداً. أرسلنی الملک إلى ساحة الحرب لکننی لم أهزم. هنالک أغرقنی مغاویر خیالة السلطان.

إنعقد لسان صالح؛ ماذا یقول هذا الرجل؟ بعد هذه القرون الطویلة کیف یمکن أن یظهر مرّة أخرى؟

قال رجل الملح:" ألقت "سودابة" بنفسها من أعلى القصر. جفت میاه البحر. کل مکان تحول إلى ملح.... أنا کنت هناک!

أشار الرجل إلى الجهة التی یقتلع صالح وأبوه صخور الملح منها. سمع صوت الشاحنة من بعید. حرک صالح نفسه ونهض راکضاً إلى الطریق وهو یصیح.

- أ.. أب....أبی!

مع رؤیة صفدر ابنه راکضاً نحو السیارة ضغط على دواسة الوقود. وصل صالح إلى الشاحنة وهو یلهث.

- هناک... أبی ... رجل؟!

قالها متقطعة وسقط مغشیاً علیه. حمل صفدر ابنه إلى السقیفة ومدده هناک ورشّ على وجهه قلیلا من ماء الکوز. فتح صالح عینیه لیرى وجه أبیه المغطى بالقلق والعرق. أحس أن أباه لیس قلیل الشبه برجل الملح.

- أبی! ذلک الرجل... أین ذهب ذلک الرجل؟

سأل صفدر متلعثما: رجل؟ أی رجل؟... دعنی أرَ کم عملت؟!

استوفـز صالح ناهضاً وأشاح ببصره عبر الشق الخشبی نحو المنجم.

- المسکین رجل الملح!

رفع صفدر کوز الماء وصبه کله على رأس ابنه.

- استلقِ هنا، سأشحن الشاحنة ثم نعود ...

ثم صاح وهو  یـبتعد عن السقیفة: نم  یا ولد...!

أحس صالح بخور یدب فی جسده. إستلقى بضعف، لکن بصره وقع فجأة على وسط بساطه الرث حیث کان لا یزال رطبا. حبـا إلى هناک وجلس القرفصاء؛ ثم وبیـد مرتجفة رفع ما رآه.

على قطعة حجر صقیلة صافیة رأى صورة محفورة لوجه امرأة. أثـار فیه وجه المـرأة المستدیر وحاجباها المعقودان ذکرى وجه أمه.

ضغط صالح الحجر فی قبضته وانتشقه بعنف؛ رغب فی البکاء ساعات بعیداً ووحیداً.

 

 

ارسال نظر