قصة قصیرة

تحت عباءة السماء المنقـّطة / أصغر إلهی

تحت عباءة السماء المنقـّطة / أصغر إلهی
قاص وروائی. ولد فی مدینة مشهد عام 1944م. حصل على شهادة الدکتوراه فی علم النفس.
شنبه ۲۲ خرداد ۱۴۰۰ - ۱۱:۰۱
کد خبر :  ۱۳۹۷۷۲

 

 

 

 

 

تحت عباءة السماء المنقـّطة

 

 

 

أصغر إلهی 

تعریب: فرزدق الأسدی

 

ترأس تحریر مجلة إنعکاس علم النفس لسنتین و درّس المادة ذاتها فی جامعة العلوم الطبیة لسنوات مدیدة. توفی إثر نوبة قلبیة عام 2012م. من أعماله المنشورة:

  • سنوات الموت
  • قصص خریفیة
  • حائکة السجاد
  • أمی، بی بی جان
  • حکایة غرامیاتنا

 

 

 

 

نحن نقول: ما تتفضل أنت به سیادة الخان!

و یقول الخان: فی الطریق سیکون لکم الإعمار.

و نقول نحن: ما تتفضل أنت به سیادة الخان!

و یقول الخان: من دونکم سوف لن یکون طریقا.

نحن نقول: ما تتفضل أنت به سیادة الخان!

لم یکن لنا شیئاً؛ وکان للخان: البقر کان للخان؛ والماء کان للخان؛ والأرض کانت للخان؛ و برکة الأرض کانت من إله الخان. نحن کنا أصدقاءاً للخان؛ والخان لوحده کان کثیراً؛ و نحن کثرتنا کانت قلیلا. الخان کان برفقة خیـّالته؛ و نحن، کلّ منا، کنا رعیّة الخان. کان الخان سیداً لکل واحد منا؛ وکنا طوعاً لکل ما کان یقول؛ و کان الخان سخیا.

ذهبنا إلی الطریق؛ کان الطریق للخان. بل لم یکن للخان؛ حیث أهل المدینة کانوا یقولون إن الطریق للمهندس مندارشن؛ و نحن کنا نقول إن الطریق للخان؛ و لیس لـمندارشن. ذهبنا للطریق مشیاً؛ و کان للخان حصانا. کان الخان صدیقاً لـمندارشن؛ و لم نکن نحن. والطریق کان یقطع الجبل؛ والجبل کان جبلاً و صلبا؛ لا یتهشم. کان الجبل مکان الأسود؛ کان عرین النمور. و کان الجبل لنا طواعیة. عندما کنـّا عصاة کان الجبل معنا؛ و کان یؤوینا. لم یکن الجبل یقهر؛ و مندارشن قهره؛ کان أسوداً؛ بما حشو جوفه؛ و تفجّر الجبل. تفجر الجبل من الحزن؛ وانتابنا الهمّ لذلک؛ و لم نفه بشیء؛ و مددنا الطریق. کان الطریق صدیقاً للخان؛ و أصدقاءٌ کنـّا للخان؛ و کان الطریق یمتد؛ من دون أن ینتهی؛ یتسع الطریق؛ و فرحة الخان کانت عریضة.

 

 

کنا تحت عباءة السماء؛ المنقـّطة.

کانت لیالی الجبل. کنا نری السماء مرتفعة؛ و کانت السماء نجوما؛ و کانت النجوم عناقیداً من العنب. بحبّات شفافة؛ شفافة کما دموع أطفالنا. کان الجو مقمراً و کنـّا تحت عباءة السماء.

کان یدالله من المدینة و لم یکن یصلی.

قلنا: والصلاة!

قال:حسناً!

و صرنا أصداقاءا.

کان یقول: کم تطلبون؟

و کنا نقول: نحن رعیة الخان.

و عدّ هو مع النجوم: سعر الخان غالیاٌ؛ و أنتم کم تطلبون؟

و قلنا نحن: إن الطریق للخان و نحن له.

و قال هو: إن الخان ینهب أموالکــ....

و قلنا نحن: إن الطریق للخان.

و قال هو: إن الطریق للحکومة المرکزیة.

و قلنا: هی لا تهتم بنا.

و قال: ترید الطریق للعسکر.

و قلنا نحن: الخان لا یکذب.

و أفهمنا أنّ: الخان یکذب؛ والخان لنا عدوا.

کان الخان صدیقاً لمندارشن. و کانت الحکومة داعمة ً لمندارشن؛ وللخان أیضاً؛ و لم تکن لنا کذلک. إمتعضنا؛ إمتعضنا الإتهام. تحدثنا حتى الصباح و عددنا نـُقـَط َ السماء؛ و أضعنا العدد عند الصباح؛ حیث لم یبق فی بالنا کم کان عددها.

 

 

نحن قلنا: أیها الخان، نحن لدینا نقوداً أیضاً.

و قال الخان: کلا، لیست لکم.

و قلنا بعدها: نحن لا نرید الطریق.

و قال الخان: إلى الجحیم.

وامتعض الخان؛ والتزمنا نحن الصمت. کان الغضب للخان؛ حیث لو ضربته سکیناً لا تقطر من عروقه قطرة دم. سحنة الخان کانت محمرّة کما حین کان من العصاة؛ و کنا نادمین؛ و لم نکن نصدق أن للخان کذبا.

کان یدالله صدیقاً لنا؛ و کان یتحدث لنا کثیرا؛ و تعلمنا الکثیر. کان یدالله عارفاً؛ و لم نکن کذلک. نحن کنا جبلیّون؛ و لم یکن یدالله کذلک. کان یدالله یعرف کلاماً جیداً تنبعث منه رائحة الحیاة؛ کما رائحة الزهور أو الأعشاب البریة؛ الصنفان کانا متشابهان؛ کلیهما کانا الحیاة لنا.

 

 

طلبنا مندارشن لمکتبه. ذهبنا. والخان کان هناک أیضاً.

قال الخان: من علـّمکم ذلک؟

قلنا نحن البسطاء: إنه یدالله.

من أین لنا أن نعرف؟

و قال الخان: أحسنت صنعاً یا یدالله!

و کلنا قلنا ذلک؛ واستساغه الخان؛ و عدنا أصدقاءاً للخان؛ و کان الخان صدیقاً للطریق؛ و کان مندارشن صدیقاً للخان؛ و کنا کذلک أصدقاءاً لمندارشن.

 

 

... و ذهب یدالله. ذهبنا خلفه. ذهب یدالله مع الشرطة. کان یدالله یخزرنا؛ و کنا کما الأحمال الودیعة؛ کما لو کنا بین یدی الخان. کنا صخور الجبل؛ صماءة. کنا نحب یدالله شدیداً فی قرارة أنفسنا؛ و کانت نظرات یدالله حربة؛ دقیقة کانت و کانت تشق قلوبنا. دماؤنا کانت فائرة. کانت الدماء تتراکض خلف جلودنا؛ و جلودنا کانت حامیة. خجلنا؛ خجلنا نحن من عیون یدالله. کانت عیون یدالله لائمة. کانت نعرة؛ صیحة؛ کانت صرخة الجبل و هو یتفجر من الحزن. و کانت عینیه صامتة؛ بل لم تکن؛ کانت صرخة عالیة؛ أعلى من الجبل.

 

 

قالت المرأة: إمنحنی الأمان!

نحن قلنا: ما الأمر؟

أتت المرأة بالقرآن؛ و أقسمتنا به: إمنحنی الأمان!

قلنا: الأمان!

وضعت المرأة یدها على القرآن و بکت. لم نکن نرى دموع زوجتنا.

کانت زوجتنا لبوة. لم تکن تعهد البکاء. و کما سحابة الربیع کان یسیل من عینیها.

قلنا: ما الأمر؟

قالت: الأمان!

قلنا بعنف: الأمان...!

قالت المرأة: إبنتنا...

قلنا: ماذا؟

قالت: المهندس مندارشن...

قلنا: یکفی...

وانحنینا من الحزن؛ و کانت زوجتنا ترتجف. ما قهرنا خیـّالة الخان، و ما قهرنا الجوع. و قهر بارود مندارشن الجبل ـ لم یقهرنا نحن ـ بل قهرنا ثقل غیرتنا؛ وتفجّرت قلوبنا بصوت أعلى من الجبل. کنا قد احتبسنا بلوعتنا فی حناجرنا. لیس الدمع للرجل؛ إنما هو للمرأة. للرجل الضغینة. و قلنا: أین البندقیة؟

قالت المرأة: البنت؟!

قلنا: کلا!

قالت المرأة: إذهب إلى الخان!

قلنا: لا تسمح لنا غیرتنا.

و رفسنا الأرض بغیظ؛ و عاهدنا أنفسنا أن لا نهتمّ بل نضغن؛ واحتفضنا بالضغینة بأعماق قلوبنا کی لا ننساها.

 

 

علمنا؛ أن المرأة کانت عند الخان؛ و أخبرته بالأمر؛ و صنعت بذلک فضیحة؛ و غضب الخان؛ و رفس زوجتنا.

إنتتهر الخان: إخرسی یا کلبة!

سمعنا ذلک؛ و قلنا: یجب قتل المرأة؛ یجب إخراس الخان؛ الطریق لیس لنا؛ هو للخان؛ و لیس الخان صدیقاً لنا؛ إنه صدیقاً لمندارشن. و لیس للرعیة.

 

 

تحت عباءة السماء المنقـّطة قلنا:

فلنقدح البندقیة بحدّ حیث یتصوروا أن السماء تمطر بریق نجومها. سنقدح البندقیة بعدد النجوم؛ حتى یبکی الجبل دما. کما الربیع حیث یمتلىء السفح بالزهور الحمراء.

کنا واثقین:

أننا سنقدح الخان.

و سنقدح مندارشن.

و سنقدح الشرطة.

 

 

کنا نموراً؛ قد آوت إلى عرینها. o

ارسال نظر