نیما یوشیج
تعریب: موسى بیدج
التحق بمدرسة «سان لویی» فی طهران حیث تعلّم الفرنسیة فیها و تعرف من خلال معلمه «نظام وفا» الذی کان شاعرا مبرزا على الشعر، فأنشد على غرار معلمیه. جاءت قصائد نیما الأولى محاکاة للأقدمین. لکنه کان یستخدم مصطلحات و تعابیر جدیدة لم تأت فی قصائد من سبقوه. نشر فی العام 1922 قصیدته المطولة «أفسانه» فشقّ طریقا جدیدا امتاز به عن بقیة الشعراء فلقّب مستقبلا بـ «أبو الشعر الایرانی الحدیث». فی تلک الحقبة، استخفّ الشعراء النظامون أول الأمر بکلمات نیما البسیطة و أوزانه الخارجة عن قوانین العروض لکنهم رضخوا للأمر الواقع و غیر الکثیر منهم اسلوبه فی کتابة القصائد بعبارات فخمة، الى عبارات تقترب من لغة الناس. طبعت أعماله الکاملة فی مجلد ضخم یحتوی على قصائده باللغة الطبرستانیة کذلک. توفی فی طهران سنة 1959.
لیل یؤانسه الظلام
لیلٌ
یؤانسه الظلام
الوزغ یغنی
على شجرة التین القدیمة
و یبشّر بالمطر و الطوفان
و أنا فی دوامة الأفکار
لیلٌ
و العالم
کأنه میّت فی القبر
و أنا مستغرق:
اذا هطلت الأمطار من کل الزوایا و الجهات؟
اذا قذفت بالعالم زورقا الى البحار؟
لم الإستغراق فی هذا اللیل الآتی بالظلام
و لیکن التفکیر بما سیحدث فی الصباح
و حین یرتقی الصبح صهوة الجبال
هل سیهمل هذه العاصفة الهوجاء؟
فی لیلة الشتاء
فی لیلة الشتاء
مدفأة الشمس حتى
لا تحترق کما مدفأتی الحامیة
و لا یضیء مثل مصباحی
أی مصباح آخر
و لا ذلک القمر
الذی إرتدته الثلوج.
فی لیلة ظلماء
أضأت مصباحی
لعبور الجار
و کانت الریاح تقتحم الصنوبرات
و البیوت مطفئة
و جارنا قد ضاع منی
فی الطریق الوعر البعید
و لکننی مازلت أحمل الذکریات
و أردّد هذه الکلمات:
من ذا الذی یضیء
من ذا الذی یضرم
و من ذا الذی یخزن
هذه القصة فی قلبه؟
فی لیلة الشتاء
مدفأة الشمس حتى
لا تحترق کما مدفأتی الحامیة.
طق طق
طق طق
أضاعت طریقها فی اللیل المظلم
فراشة الساحل القریب
تنقر على الزجاج
یا فراشة الساحل القریب
ما المقصود من نقرک هذا؟
ما تریدین من غرفتی؟
فراشة الساحل القریب
تقول لی بلحن غامض
کم مفعمة غرفتک بالضیاء
إفتح لی الباب
فاللیل قد أنهکنی
تظن فراشة الساحل القریب
طریق السلامة
متوفر للجمیع
و وراء کلّ ضوء
یوجد مفرّ
طق طق
فی قلب اللیل الباعث للألم
لم لا یلتحق أحد بطریقی أنا؟!
منذ زمن
منذ زمن
یصرخ الثور الضائع
فی الغابة المنطفئة
غاب عن النظر
کما الملائکة
و صار المرتع له سجنا
هو المصاب بالقلق
لا یزوره أحد
لکنه ما زال قویا و فتیا
هذا الثور الضائع
الذی یصرخ
منذ مدى
فی الغابة المنطفئة.
قرب النهر
قرب النهر
تتجول السلحفاة العجوز
یوم مشمس
و حقول الرز مغمورة بالدفء
قرب النهر
تنام السلحفاة
فی أحضان شمسها
فارغة البال
و قرب النهر
واقف أنا
مرهق من ألم التمنیات
أترقب شمسی
لکننی لا أجدها لحظة
شمسی
إختفت عنی
فی المیاه البعیدة
و أشرق کل شیء
من کلّ زاویة
على سکونی
و على حرکتی
وحدها شمسی
أصابها الغیاب
قرب النهر.
أنا معکّر الصفو
أنا معکّر الصفو
و زورقی
قد حطّ فی الجفاف
بزورقی الجالس فی الجفاف
أصرخ:
«هذا التعیس الحظ زاد بی العذاب
فالمیاه بعیدة
و أنا فی الشاطئ الیباب
و هذا الطریق المفعم بالخوف؛
ساعدونی أیها الرفاق»
***
لکنهم
تتبرعم على وجوههم
إبتسامة ساخرة
یسخرون منی
و من زورقی
و من کلامی و سلوکی
و من قلقی المتزاید.
أصرخ
«عند الموت
حیث لا شیء
سوى رهبة الفناء و الخطر
فالسخریة
و التهکّم
و ضوضاء الوجود و العدم
خطأ
و لا یصیب سوى الضرر»
بفعلهم
یصیبنی الضرر
و کلامهم
یورثنی الألم
و من أعماق الألم تتدفق الدماء
فکیف أجفف هذا الماء؟
ها أنا أصرخ
أنا متعکّر الصفو
و زورقی قد حطّ فی الجفاف
کلامی واضح لکم
ید واحدة لا تصفّق
و یدی تطلب العون
من أیدیکم.
اذا کانت صرختی
مخنوقة
أو مسموعة من حنجرتی
فأنا
من أجل خلاصنا
أنتم و أنا
أصرخ هکذا
أصرخ هکذا.