قصة قصیرة

القلم / محمد أعظم رهنورد زریاب

القلم / محمد أعظم رهنورد زریاب
ولد القاص و الإعلامی الأفغانی زریاب عام 1942 فی مدینة کابول العاصمة. حصل على شهادة البکالوریوس فی فرع الصحافة و الإعلام من جامعة کابول و سافر بعدها الى انجلترا لیحصل من جامعتها على الماجستیر فی الإعلام أیضا.
شنبه ۲۵ ارديبهشت ۱۴۰۰ - ۱۱:۳۸
کد خبر :  ۱۳۹۱۸۷

 

 

 

 

 

القلم

 

محمد أعظم رهنورد زریاب

تعریب: مریم حیدری

 

عمل فی الصحافة الأفغانیة و تولى مناصب عدة فی مجال تخصصه فی وزارة الثقافة. کما ترأس تحریر فصلیة و جریدة یومیة تصدران باللغة الإنجلیزیة. أصبح مدیرا لإتحاد کتاب أفغانستان بین عامی 89 و 91 لکنه إستقال من منصبه لیرحل الى فرنسا و یقیم فیها لسنوات. ثم عاد بعد أحداث الحادی عشر من أیلول الى بلده لیصبح مستشارا لوزیر الثقافة.

کتب زریاب القصة القصیرة فاجتمعت لدیه أربع مجامیع منها. کما کتب المقالة الصحفیة. یعتبر هذا الکاتب من الأسماء المهمة فی مجال القصة الأفغانیة. أعماله القصصیة: «أغنیة من وراء القرون»، و «رجل الجبال»، و «صدیق من مدینة بعیدة»، و «النقوش و الظنون»، «جلنار و المرآة».

 

 

 

الحقیقة أن شرف الدین کان یحب قلمه أکثر من أی شیء آخر تحت هذه السماء الزرقاء. قلمه، کان قلم حبر عادی. أسود وله قبضة ذهبیة. للکتابة کان یجب أن یدار القسم الأسفل للقلم لیظهر منقار القلم الذی هو الآخر کان ذهبیاً مثل قبضة القلم. کان شرف الدین یتباهى دائماً بقلمه ویقول أن قبضة قلمه صنعت من الذهب النقی.

الصورة التی تکونت من شرف الدین لدى زملائه کانت صورة رجل نحیل صغیر الجسم، ببدلة زرقاء تبدو فضفاضة علیه وقبعة "قره غولی" رخیصة بالإضافة إلى القبضة الذهبیة لقلم یقع فی الجانب الأعلى من یسار صدره. وهذه القبضة الذهبیة تزداد إشعاعاً فوق الخلفیة الزرقاء للمعطف حتى تسرّ الناظرین.

أما شرف الدین فکان یشعر أن لقلمه قدرة سحریة حتى صار یعتقد بأنه إذ حصل على ترقیة أو نالت تقاریره إعجاب المدیر وإن عامله المراجعون باحترام أو حصل هو وعائلته على رزق، فکل هذا وما عداه هو من برکات هذا القلم.

فی الصباح، عندما یصل إلى المکتب، یحیی زملاءه بتواضع کبیر. ثم یجلس خلف منضدته، یفتح مجرّ المنضدة ویخرج الأوراق بحرص. یمسک بقلمه. یرفع رأسه لیفتحه. یدیر القسم الأسفل للقلم بهدوء حتى یظهر منقاره الذهبی. یرنو إلى المعدن الذهبی بإعجاب لهنیهة ثم یمیل رأسه نحو الأوراق. وعندما یتوقف عن العمل لسبب ما، یعید رأس القلم إلى مکانه ویغلقه بنفس الحرص والدقة ویضعه فی الجیب الأعلى لمعطفه. لم یحدث قط أن طلب أحد زملائه قلمه، إذ یعرفون کلهم أن شرف الدین لا یمکن أن یعیر أحدا قلمه حتى لدقیقة واحدة. أینما کان یذهب کانت القبضة الذهبیة للقلم تلمع على الجانب الأیسر من صدره وهو یستمتع بذلک اللمعان کما لو کان وساماً على صدره.

هکذا مر الوقت حتى أتى یوم خریفی بارد. من تلک الأیام الباردة التی تهب الریح فیها. کان شرف الدین قرر أن یزور أخاه الذی عاد من السفر بعد انتهائه من عمله. طوال الیوم فی مکتب "سایه‌رُخ" کان یقرسه البرد. وکذلک زملاؤه. عندما انتهى العمل، و خرجوا من المکتب. ودّع شرف الدین اصدقاءه مسرعاً وسار نحو بیت اخیه. عندما اقترب من بیت أخیه وهمّ بترتیب هیئته خفق قلبه بشدة وارتخت قدماه. لم تکن قبضة القلم الذهبیة تلمع فوق صدره الأیسر.

فتش جیوبه. ارتفعت دقات قلبه. لم یکن القلم هناک. همّ بالعودة إلى المکتب لکنه تذکر أنه أغلق، فتمتم: "ربما نسیته بین الأوراق."

سار الى بیت أخیه والخوف والقلق یعصران قلبه. لم یستطع المکوث کثیراً هناک. قلمه کان یدور أمام عینیه، بقبضته ومنقاره الذهبیین.

حلّ اللیل ونام أطفاله. زوجته، عندما لاحظت حزنه سألته: "ماذا حدث لک؟"

فاجاب شرف الدین: "القلم، ضاع منی القلم."

لفظ هذه الجملة مثلما یتحدث أحد عن موت شخص قریب له.

سألته زوجته: "أین أضعته؟"

رد قائلاً: "لا أعرف.. ربما فی المکتب."

لم یرد على أسئلة زوجته ونام جائعا. تململ طوال اللیل وتقلب من جانب إلى آخر وقلمه أمام عینیه: أسود، بقبضة ذهبیة. امتدت هذه الصورة حتى دخلت حلمه. رأى فی المنام قلمه وقد صار کبیراً جداً، بحجم شجرة دلب طویلة وقبضته الذهبیة تلمع على خلفیة سوداء مثل نجمة ثاقبة. همّ شرف الدین باحتضان قلمه ولکن القلم هرب منه مثلما کائن حی، فرکض الرجل مندهشاً خلف القلم. لاحقه وذهبا حتى وصلا قرب بحر مضطرب. ما أن شاهد شرف الدین البحر حتى اعتراه الخوف، أما القلم فواصل الرکض نحو البحر. صاح شرف الدین: "هذا بحر... إلى أین تذهب؟"

غیر أن القلم لم یبال به وغطس فی الماء.  ثم غرق فی الماء شیئاً فشیئاً حتى اختفى. ظل شرف الدین محدقاً فی البحر المضطرب بنظرات مفعمة بالأسف والألم. لم یعد أثر من القلم وبدأ الرجل یشعر أن القلم أخذ کل ما کان یملک معه إلى البحر.

ثم رأى أخاه جالساً على صخرة ویضحک کاتماً صوته. فغضب غضباً شدیداً. رکض نحو أخیه دون اختیار ومسک حنجرته. کان أخوه یتخبط یائساً حتى سمع شرف الدین صوت فرّاش مکتبهم یصیح: "قلمک تحت المنضدة!"

إستیقظ مباغتاً وخائفاً. کان الصبح لیحل و لم یستطع الرجل مواصلة النوم.

فی ذلک الیوم وصل قبل زملائه إلى المکتب. بحث فی جرار مکتبه و کل زوایا الغرفة و بین الأوراق و کل مکان، لکن لا أثر للقلم. جلس على کرسیه کئیباً کأنه لا حیلة له و بنبرة شخص فقد طاقته من شدة عمل شاق، خاطب الفراش قائلاً: "ألم تر قلمی؟"

نظر الفراش إلى الیمین والیسار فأجاب: "لا، لم أر أی قلم."

عندما جاء زملاؤه لاحظوا أن شرف الدین قد غطى عینیه بیده الیسرى.

سألوه: "ما الخطب؟"

فرد شرف الدین بنبرة رجل یتحدث عن موت أحد أقربائه: "ضاع قلمی.. ظننت أنه هنا، لکنی فتشت کل مکان ولم أجده."

منذ ذلک الیوم لم یستطع شرف الدین أن یواصل العمل. بالرغم من أن زملاءه أهدوه قلماً آخر لکنه کان یشعر أنه لم یعد بإمکانه أن یکتب تقاریر جیدة. فکّر أن المدیر سیقرأ رسائله دون أی إعجاب. وحتى شعر ذات مرة أن المدیر سیعنفه بلغة العیون ویقول له لماذا لم یعد یکتب مثل تلک التقاریر السابقة. شعر أن المراجعین أیضا لا یکنون له ذلک الاحترام السابق وعندما اعترض ذات یوم أحدهم على اجراءاته، صرخ شرف الدین فی وجه الرجل: "من أین عرفت أن قلمی ضاع؟"

فرمقه زملاؤه بنظرات کلها دهشة.

فی یوم آخر، مرض شرف الدین. غاب عن العمل لمدة عشرة أیام. وعندما عاد، لاحظ زملاؤه أنه أصبح نحیلاً ومکتئباً. و بنفس التواضع القدیم، ألقى التحیة على زملائه ورأى الزملاء أنه یعانی من حمى شدیدة.

جلس خلف منضدته. أخرج الأوراق بحرص. وأخرج القلم الذی أهداه زملاؤه. قرّب رأسه من الأوراق وشرع فی الکتابة. ابتسم الزملاء بمعنى أن المیاه عادت إلى مجاریها وکل شیء عاد بخیر.

کان منهمکا فی الکتابة إذ رفع رأسه فجأة. طلب الفراش لیسأله: "ألم تر قلمی؟"

نظر الفراش إلى یمینه ویساره وقال: "لا، لم أر قلمک."

وأخذ الزملاء یحدقون فی شرف الدین بدهشة، فسألهم بنبرة جادة: "أنتم... قولوا الصدق.. ألم تروا قلمی؟"

أجابوا جمیعهم: "وما علاقتنا بقلمک؟"

فقال شرف الدین ولهیب الحمى یتعالى فی عینیه: "إذن، ماذا حلّ بقلمی؟"

صمت زملاؤه فصاح: "أعرف أنکم کنتم تحسدونی من أجل تقاریری الجیدة!"

ثم أضاف متمتماً وزملاؤه مازالوا مندهشین: "هذا ظلم یا جماعة. ما ذنب أطفالی؟"

سأل أحد الزملاء: "ماذا تقصد؟"

رد شرف الدین: "القلم، أقصد القلم!"

فأجاب زملاؤه هاتفین بصوت واحد: "نقسم بالله أننا لم نر قلمک."

ضحک شرف الدین فجأة وارتفع صوته ضاحکاً: "یا له من زمن، یا له من زمن!"

وضرب بالقلم الذی أهداه زملاؤه على المنضدة. فتلاشى القلم. صرخ شرف الدین: "تباً لهذا القلم!"

ثم کأنه یرید إضافة فقرة على قوله، قال: "وسحقاً لبوابة رزق أطفالی!"

قهقه ثانیة وأضاف: "ولینته احترام المراجعین لی!"

وضع رأسه على المنضدة و أجهش بالبکاء. نهض زملاؤه لیسلوه، لکنه إنتفض قائلا: "ألا تظنون أن شخص المدیر قد أخذ قلمی؟"

إنزعج الجمیع و لکن لم یجیبوه بشیء غادر شرف الدین الغرفة. و بعد لحظات، سمعوا ضجة ثم ساد الصمت.

لم یر الزملاء شرف الدین بعد ذلک الیوم. ومنضدته وکرسیه ظلا شاغرین لفترة طویلة، حتى جلس موظف حدیث التعیین خلف منضدته. طویل القامة ونحیل. لما همّ الرجل بالعمل، سلّ قلمه الذی کان قلم حبر أسود. رفع رأس القلم وأدار القسم الأسفل منه حتى ظهر منقار القلم. نظر الرجل هنیهة وبإعجاب إلى منقار قلمه.

سأله الزملاء فی المکتب: "هل منقاره من ذهب؟"

قال الموظف حدیث التعیین: "نعم."

ثم سألوه: "هل قبضته أیضا من ذهب؟"

فأجاب الموظف: "نعم، إنها من الذهب النقی!"

مالت رؤوس الزملاء وضحکوا.

 

 

  

 

 

 

ارسال نظر