قصة قصیرة

معاون، توقیع، مکتب ختم / خسرو شاهانی

معاون، توقیع، مکتب ختم / خسرو شاهانی
غضب هذه المرة وقال ... هل جئت من خلف الجبل یا رجل ؟ شارع میرداماد فی مکانه, فی شارع میرداماد ... ضحکت, قلت : معذرة سیدی الرئیس ظننت أن شارع میرداماد فی شارع العروسة. سمعاً و طاعة. ومشیت ولم انتظر اجابةً أو توجیهاً لاذعاً آخر من السید الرئیس.
چهارشنبه ۱۵ بهمن ۱۳۹۹ - ۱۲:۴۲
کد خبر :  ۱۳۶۶۹۶

 

 

 

معاون، توقیع، مکتب ختم

خسرو شاهانی

تعریب حیدر نجف

من أجل انجاز عمل ما, أی أخذ ورقة تأیید من دائرة الى دائرة اخرى, راجعت الدائرة الاولى وحصلت على تلک الورقة بشکل من الاشکال. ثم ذهبت للدائرة الثانیة حیث کانت مهمتی الأصلیة. نظر المسؤول الى الورقة وقال ان هذا التأیید ناقص, یجب ان توقعه الدائرة الفلانیة وتؤید ختم الدائرة الاولى.
قلت له لماذا لم تقل لی هذا قبل البارحة إذن, حتى أتوجه لتلک الدائرة بعد حصولی على هذه الورقة؟
قال المسؤول :
تصوّرت انک ستفهم ذلک من نفسک.
وجدت رده قویاً, فلم أقل شیئاً, أی اننی خفت ان اقول شیئاً. استعدت الورقة منه وقلت له هلاّ تفضّلت باعطائی عنوان تلک الدائرة.
قال بنبرة أمر جافّة : اسأل الاستعلامات.
أخذت الورقة وسألت عن قسم «الاستعلامات« الى أن وجدته, فقال الموظف هناک ثلاث کلمات لم تزد ولم تنقص:
ـ اذهب للقسم الرابع‌عشر !
وکأننی ترعرعتُ فی احضان القسم الرابع‌عشر وأعرف کل اقسام هذه المدینة الصاخبة. لم یعطنی اسم شارع ولا زقاق ولا رقم. بکل تواضع و مرارة من أن الله خلقنی جاهلاً عدیم الفهم الى درجة اننی لا اعلم این یقع القسم الرابع‌عشر فی عاصمة هذه البلاد، سألته : هل یمکن ان تتفضل باخباری فی أی شارع یقع القسم الرابع‌عشر ؟

حدجنی من رأسی الى اخمص اصابعی بنظرة بددت کل ما کان یساورنی ـ ربما ـ من شکوک حول غبائی وجعلتنی موقناً بأن الله خلقنی مختلفاً عن بقیة البشر ذوی العقل و الأدراک, ثم قال لی :
ألا تعلم این یقع القسم الرابع‌عشر من طهران؟
قلت له : لا, لکننی أدری اننی اسکن فی القسم السابع
من تقسیمات البلدیة والقسم الثالث من تقسیمات التربیة والتعلیم, وفی القسم الخامس‌عشر من تقسیمات الشرطة, وفی القسم الحادی والعشرین من تقسیمات الخدمة العسکریة, وفی القسم الثامن‌عشر من تقسیمات ضرائب وزارة المالیة, وفی القسم الرابع ‌والثلاثین من تقسیمات الاحصاء والسجلات والاحوال الشخصیة, الا اننی لا اعرف این یقع قسمکم فی طهران.
هزّ رأسه بأسف و سأل : ما هو عملک ؟
قلت له أننی صحفی.
قفز من مکانه فجأة کمن رأى عفریتاً من الجن و قال : انت صحفی ولا تعلم این یکون القسم الرابع‌عشر ؟
قلت له : والله لقد اخبرتکم اننی صحفی ولست موظفاً فی دائرة الاحصاء والبلدیة والمناطق والاحوال المدنیة!
زمّ شفتیه وقال وهو یتوجه بانظاره صوب مراجع جدید :
ـ حسناً اذهب لشارع میرداماد
... ها قد حلّت البرکة, کانت القضیة معقدة ولا أمل فی وصولها, وقد حلها رئیس الاستعلامات لتصل. قلت له بخوف و قشعریرة:
ـ سمعاً و طاعة ... ولکن این یقع شارع میرداماد؟
غضب هذه المرة وقال ... هل جئت من خلف الجبل یا رجل ؟ شارع میرداماد فی مکانه, فی شارع میرداماد ... ضحکت, قلت : معذرة سیدی الرئیس ظننت أن شارع میرداماد فی شارع العروسة. سمعاً و طاعة. ومشیت ولم انتظر اجابةً أو توجیهاً لاذعاً آخر من السید الرئیس. بألف مصیبة حصلت على تاکسی وبقیت واقفاً طرف الشارع اصرخ (میرداماد ... میرداماد) الى ان صارت رجلای خیوطاً تکاد تتقطع, ولأدع هذه التفاصیل لفرصة اخرى. اخیراً وصلت لشارع میرداماد والقسم الرابع‌عشر, وسألت عن الدائرة المعنیة الى ان وصلتها, فعرضت الورقة على رئیس دائرة الاستعلامات وسألت این یجب أن یتم تأیید هذه الورقة؟
أخذ الورقة من یدی, نظر الى کل زوایاها بعد ما قرّبها من عینیه و ابعدها, ثم أعادها إلیّ و هو یشیر الى رجل على رأسه قبعة یذرع الممر بخطوات طویلة و قال :
ـ اسأل ذلک الرجل.
رکضت خلف الرجل وأریته الورقة وقلت : سیدی معذرةً این یأیدون هذه الورقة ؟ أجاب بکل برود :
ـ أنا مراجع مثلک ... اسال ذلک الخادم الممسک بصینیة الشای فی یدیه.
قطعت طریق الخادم الذی یحمل صینیة الشای فی یدیه و بحت له بمشکلتی و لکنه کان کمن اختبأ عقرب فی بنطلونه و لایستطیع الوقوف, قال و هو یمشی:
ـ اذهب الى آخر الممر !
... لا اله الا الله . من المکان الذی انا واقف فیه و حتى نهایة الممر هنالک فی الاقل عشرون غرفة على الجانبین. أیة غرفة یجب ان افتح بابها حتى لا تنهال علیّ اللکمات ؟

وحیث انهم قالوا قدیماً (ماخاب من استشار) بقیت استشیر هذا و ذاک الى أن وجدت الغرفة التی یجب أن یوقعوا و یؤیدوا فیها ورقتی. رصفت الطاولات اطراف الغرفة, ربما اکثر من عشر طاولات, اربع منهن خالیات لا یجلس احد خلفها, واثنان من الموظفین جالسان خلف طاولة واحدة یملآن معاً جدول کلمات متقاطعة واثنتان من الموظفات کانتا تحوکان الصوف, وأحد الموظفین یبدو أنه یعمل. الافضل أن أسأل الرجل الذی یعمل. تقدمت الیه وعرضت علیه مأساتی, اشار علیّ برجل یجلس خلف طاولة فی صدر الغرفة, یحتسی القهوة ویتحدث لرجل بجواره واضح انه من اصدقائه.
تقدمت امام طاولته ووضعت الورقة بمتناول یده وبقیت واقفاً انتظر الجواب. سمعته یتحدث مع صاحبه عن لعبة (البوکر) اللیلة الماضیة, ولأن القصة کانت قد بلغت محطتها الطریفة, وعمّا قریب ترتطم أوراق الرجل الفائزة بأوراق منافسه الخاسرة عزّ علیّ ان اقطع حدیثهما, فبقیت واقفاً هکذا عدة دقائق, ولحسن الحظ کانت نشوة الانتصار مازالت بادیةً فی محیّا السید الرئیس فنظر الیّ بعین الفاتحین وسأل :
ـ أیة خدمة نقدمها ؟
فرحتُ لأنه فاز البارحة وشکرت الله على ذلک. فمن المعلوم انه لو خسر السباق ـ لا سمح الله ـ لما کان من المعلوم ماذا سیکون مصیر ورقتی الیوم.
قلت له بارتباک :
أیّد هذه الورقة من فضلک.
أخذ القلم عن الطاولة وجرّ بعض الخطوط على الورقة وهو یروی بقیة احداث اللیلة الماضیة, ثم مدّ الورقة نحوی و قال :
ـ معاون, توقیع, مکتب، ختم.
ظننت ان عبارة (معاون, توقیع, مکتب، ختم) من مصطلحات (البوکر) فبقیت واقفاً امام الطاولة. انقضت بضع ثوان فالتفت الیّ السید الرئیس وسأل :
ـ لمَ أنت واقف ؟
أخبرته اننی لم افهم ما قاله.
قال بکل هدوء :
ـ قلت لک ... معاون, توقیع, مکتب، ختم ... ثم تابع روایته ... نعم فی الدور الثانی. نظرت فوجدت انی حصلت على أوراق جیّدة فلم أتأخر, کان أمامی اکثر من ألف تومان, فدفعت به الى وسط الطاولة فتراجع الکل الا اکبر لأنه ... .
عدّلت من وقفتی بعض الشیء وقلت :
ـ سیدی الأجل لم تتفضل أین یجب ان أذهب الآن بهذه الورقة ؟
توهّج وجهه ناراً وقال بغضب :
ـ هل أنت أطرش ؟ قلت لک ... معاون, توقیع مکتب، ختم.
ادرکتُ اننی لم اطرح سؤالی فی الوقت المناسب. کان
علیّ ان انتظر الى ان ینهزم السید اکبر امام صولات وجولات السید الرئیس وحینها اطرح سؤالی, و لا أطرحه فی مثل هذه الظروف المتأزمة. ولکن فات الأوان و مَرَقَ السهم من القوس. سحلت اقدامی وخرجت من الغرفة الى حضرة الرئیس أو موظف الاستعلامات وشکوت له أمری. ضحک و قال : یعنی اذهب لغرفة السید المعاون لیوقع ورقتک, بعد ذلک اذهب للمکتب کی تُختم. حینئذ فقط فهمت معنى العبارة التلغرافیة للرئیس السابق (معاون, توقیع, مکتب، ختم). و رحت اسأل تارة اخرى عن غرفة المعاون الى ان وصلتها فی الطابق الخامس. حینما دخلتها وجدتها غاصة بنساء و رجال یجلسون على الکراسی وفی ایدیهم اوراق. لم تکن غرفة, انما هی صالة طولها عشرون متراً وعرضها عشرة امتار, وفی اقصاها طاولة کبیرة خلفها رجل یتحدث بالهاتف. وبما اننی لا افهم شیئاً من الاتکیت الاجتماعی, توجهت نحو الطاولة من دون مراعاة الدور, ووضعت الورقة امام ید المعاون, وبقیت واقفاً بکل احترام امام جلالته. فجأة تنبهت الى أن المعاون یشیر إلیّ وهو یتحدث بالهاتف ملمحاً بابهامه الى الجدار خلفه. تصورت ان القضیة تتعلق بطریقتنا نحن الایرانیین اثناء الکلام حتى بالهاتف, إذ نستعین بحرکات ایدینا وأرجلنا و رؤوسنا وأعناقنا لننقل الافکار بأحسن ما یمکن الى عقول من نتکلم معهم, وأن السید المعاون یشیر بیده و ابهامه لینقل مشاعره الى من یتحدث معه بالهاتف .. مضت لحظات واشارات السید المعاون الابهامیة لا تنقطع, الى ان انتهت المحاورة الهاتفیة لحسن حظ المراجعین او لسوء حظی انا, ووضع المعاون السماعة, وانفجر على حین غرة کأنه مدفع الافطار فدوّى صوته فی کل ارجاء الغرفة:

ـ قلت لک اقرأ هناک !
ـ ... ارتبکت, وانهزمت نفسیاً وتلعثم لسانی. لم تکونوا هناک لتسمعوا مدفع السید المعاون کم کان قویاً, قلت بأرتباک وتلعثم:
ـ أقرأ ماذا یا سیدی ؟
ـ هناک ... هل أنت أعمى ؟
ـ أین ؟ سیدی المعاون ؟
ـ هناک ... هناک ... فوق رأسی.
ها قد تمّ البدر علینا, کنت عدیم الفهم, وأصبحت اطرشاً, ثم هاهو المعاون یجعلنی أعمى ولا یبخل علیّ بألطافه ألقیتُ نظرةً من فوق العوینات الى الجدار فوق رأس جلالته فرأیت ورقة کتب علیها بخط ردئ:
ـ‌ لا تتوفقوا امام الطاولة, وراعوا الدور رجاءً.
... ادرکت لتوی أی خطأ لا یغتفر قد اقترفته. أردت أن أسال المعاون هل ارتطمت أوراقک أنت ایضاً باوراق السید اکبر البارحة؟ لکننی قدّرت أن الامور ستتعقد اکثر و قد اخرج من الدائرة دون توقیع الورقة. سحبت الورقة بأحتیاط من على طاولة المعاون وتراجعت بکل هدوء الى الوراء من دون أن أولّی ظهری لطاولة حضرة المعاون, بالضبط کما یفعل خدم الفراعنة فی مصر کما رأیناهم فی الافلام. ولأن کل الکراسی فی الغرفة قد احتلها المبکّرون والاشطر منّا, وقفت بجانب الجدار, وعاد المعاون یتحدث بالهاتف. صدقونی, بقیت واقفاً على اقدامی نحو ثلاثة ارباع الساعة بل واکثر کالطلاب المشاکسین فی الصف اذا سخط علیهم المعلم، انتظر ان یصل دوری, وباقی المراجعین جالسون و اوراقهم بایدیهم. واخیراً وصل دوری وجرّ السید المعاون خطاً على ورقتی فی اقل من ثانیة, ولم افهم هل وقع الورقة أم انه شطب علیها, ولم اطرح أی سؤال حول هذه القضیة. الحقیقة اننی خفت حینما تفضّل السید المعاون بتسلیمی الورقة قال ایضاً بعبارة تلغرافیة
ـ مکتب، ختم !
کنت مسروراً لأن خمسین بالمئة من المهمة قد أنجزت لحد الآن, وانخفضت عبارة( معاون, توقیع, مکتب، ختم) الى (مکتب، ختم). لا أطیل علیکم, أخذت الورقة الى (مکتب، ختم) ... ولابد أنکم تقولون الآن یالسعادة «شاهانی» الذی انقضت حاجته بهذه السرعة والسهولة, ولکن یجب أن اقول أن الأمر لیس کذلک, فانا ما أزال فی أول الطریق.

 

 

ارسال نظر